يُكثر قادة المعارضة السورية المسلحة في جرود القلمون من الحديث عن انتصارات يحققونها في المنطقة، ويعدون بالمزيد مستقبلا. في المقابل، يتهمهم اعداؤهم بافتعال ضجيج إعلامي لا سند ميدانياً له. يجزم حزب الله والجيش السوري أن هذه المنطقة استراتيجية، ولا مجال فيها للعودة إلى الوراء
منذ بداية الصيف الماضي، نجح مقاتلو الحزب والجيش السوري في صدّ أكثر من ست هجمات كبرى في اتجاه الأراضي اللبنانية أو داخل الأراضي السورية، سواء في ريف القصير أو في القلمون. معركة جرود بريتال، الاحد الماضي، وما تلاها هي السادسة. على «المقلب» السوري من الجبهة، كانت قيادة «جبهة النصرة» تركز على بلدة عسّال الورد. هي أقرب من سائر البلدات القلمونية إلى الحدود اللبنانية (تقابلها بلدة طفيل)، كما أن جرودها وجرود طفيل تتصل بجرود سرغايا والزبداني. ولهذا السبب، ركّز المسلحون هجماتهم عليها بمعدل هجمة كل أسبوع (بعضها كان محدوداً للغاية).
وفي الهجمات الست الكبرى، كما في المعارك المحدودة، فشل مسلحو المعارضة، بقيادة «داعش» و«جبهة النصرة»، في تحقيق خرق يمكّنهم من استعادة «مجدهم الضائع» في القلمون.مرة واحدة فقط حققوا خرقاً استناداً إلى «خلايا نائمة»، وتوغلوا في الجرود في اتجاه تلفيتا، لكن سرعان ما تمت محاصرة الخرق ومنع المسلحين من تحقيق ما يصبون إليه.
معركة بعد أخرى، صار مقاتلو الحزب وجنود الجيش السوري أكثر معرفة بالذين يواجهونهم. لا تستخفّ المقاومة بقدرات خصومها، لكنها ترفض الانجرار إلى لعبتهم الإعلامية. «المعركة شرسة»، يقرّ قادة ميدانيون، «وندفع ثمناً كبيراً في الجرود، لكنه يبقى أقل بما لا يُقاس مما كان اللبنانيون عموماً والبقاعيون خصوصاً سيقاسونه فيما لو بقي المسلحون يسيطرون على ريف حمص الجنوبي (منطقة القصير) وريف دمشق الشمالي (القلمون)». تجزم مصادر سورية، وأخرى قريبة من حزب الله، بأن مسلحي المعارضة يخوضون «معركة لا طائل منها. وحتى لو أحدثوا خرقاً ما في مكان ما، فإنهم لن يتمكنوا من الحفاظ عليه. وإذا توهموا أن الشتاء يقيهم هجماتنا، فليتذكروا أن تحرير القلمون بدأ في شباط الماضي».
يكرّر مسلحو القلمون تجربة زملائهم في الغوطة: موجات بشرية تقضي على نخبتهم
خلال انسحابهم من أحد المواقع، فضّل المسلحون أخذ الطعام على حمل الذخائر والأسلحة الأهم، في نظر معنيين بسير المعارك في الجرود، أن المسلحين يخسرون في كل معركة مقاتلين من «نخبتهم». فهجمات كهذه لا ينفذها مقاتلون عاديون، ممن يحملون السلاح ولا يتقنون فنون الحرب ولا يملكون شجاعة الاقتحام. وفي كل معركة، تخسر «جبهة النصرة» و«داعش» وباقي الفصائل عدداً إضافياً من المقاتلين المتمرسين. صحيح أن المدد بالمقاتلين لم يتوقف، وخاصة عبر عرسال، رغم ما قام به الجيش اللبناني، «لكن الجدد ليسوا بنفس خبرة من قضوا». ويلفت معنيون بالقتال في الجرود إلى أن حزب الله لم يكن ليشن هجوماً على الجرود، لأن معركة من دون عزل تام لعرسال ستبقى بلا جدوى. لكن المقاتلين المعارضين «وفّروا عليه خوض معركة هجومية. وبدلاً من انتظارهم له لاستنزافه في المرتفعات والوديان التي يسيطرون عليها، نزلوا من الجرود، وبدأوا يهاجمون مواقع الحزب والجيش السوري، على طرفي الحدود». وفي معظم الهجمات، تمكن المدافعون من صدّ الهجمات من دون أي خسائر. لكن في بعضها، دُفع ثمن باهظ، لمنع المسلحين من التقدم وتحويل المنطقة إلى منصة للهجوم على الأراضي اللبنانية.
وتلفت مصادر قريبة من الحزب إلى أن مسلحي القلمون يكرّرون ما قام به زملاؤهم في الغوطة الشرقية (ريف دمشق الشرقي). في الغوطة، شنّ هؤلاء هجمات متتالية بهدف كسر الطوق المفروض عليهم. «موجات بشرية» متتالية، كبّد بعضها قوات الجيش السوري وحلفاءه خسائر كبيرة في الأرواح، لكنها «كسرت ظهر المسلحين»، على حدّ قول مصادر عسكرية سورية. كان آخر تلك الهجمات في تشرين الثاني 2013. حقق المسلحون تقدّماً كاد يؤدي إلى رفع الحصار عن الغوطة. لكن الجيش السوري وحزب الله تمكنا من السيطرة على الوضع، وإنزال خسائر بالمهاجمين بلغت المئات بين قتيل وجريح. احتل المعارضون بعدها عدرا العمالية، إلا أنهم، منذ ذلك الحين، عجزوا عن شن هجمات واسعة. يحققون خرقاً في جبهة ما، لكن من دون تغيير ذي قيمة عسكرية كبرى في الواقع الميداني.
تسأل مصادر قريبة من الحزب: «هذا الضجيج الإعلامي الذي اخترعه المسلحون خلال الأيام والأسابيع الماضية، هل يعكس تغييرات على الأرض في القلمون؟». تجيب: «خارطة توزّع القوى لم تتغير على الأرض. التغيير الوحيد كان لمصلحتنا من خلال السيطرة على تلال لتحصين المواقع داخل الأراضي اللبنانية». وتلفت المصادر إلى أن المسلحين «يستميتون» لاستعادة السيطرة على أكثر من بلدة قبل حلول فصل الشتاء. فهم يرون أن بقاءهم في العراء وفي المعسكرات الجردية سيضعفهم. وهم وصلوا إلى مرحلة صعبة. لديهم الكثير من السلاح، لكن في أحد المواقع التي سيطروا عليها، فضّلوا أخذ الطعام خلال انسحابهم على حمل الذخائر والأسلحة. وعمّا إذا كان الضجيج الإعلامي الذي افتعلوه يعكس اقترابهم من تحقيق هدف السيطرة على القرى؟، تجيب جازمة بالنفي.
وماذا بعد هذه الجولات؟ الجيش السوري وحزب الله يعدّان العدة «لاستقبال المسلحين»: «نعلم أنهم سيستشرسون. وسينفذون عمليات هي أقرب إلى الانتحار. وربما سيقومون بأمور داخل لبنان تجتذب الاهتمام الإعلامي والسياسي. لكن، هجوم بعد آخر، سيفقدون المزيد من المقاتلين المتمرسين. لن يقدروا على العودة إلى ما قبل بدء تحرير القلمون في شباط الماضي. وكلما شنّوا هجمة سيصبحون أكثر عجزاً عن التقدم. والحزب والجيش السوري لن يقفا مكتوفي الأيدي، بل سيفعّلان عملياتهما الخاصة والأمنية». تختصر مصادر قريبة من حزب الله توجه قيادة المقاومة تجاه ما يدور في القلمون بالقول: «لقرار المشاركة في القتال في سوريا دوافع عدة، من أهمها منع «جبهة النصرة» و«داعش» وحلفائهما من السيطرة على المناطق السورية الملاصقة للحدود مع البقاع. وهذا خط أحمر ممنوع تجاوزه».