IMLebanon

القلمون بين وَهم القوّة وسوء تقدير الموقف

تُشَكّك أوساط عسكرية وسياسية أميركية في إمكانية تحقيق نتائج ميدانية استراتيجية أو حتى تكتيكية، جرّاء ما باتَ يُعرَف بمعركة القلمون.

دوائر أميركية بَحثية وسياسية أشارت إلى أنّ العدّ العكسي لخلافةِ النظام السوري بدأ مرَدُّ هذا التشكيك ليس إلى طبيعة هذه المعركة «الفائقة الأهمّية» والتي أدركَتها تلك الأوساط، بل إلى النتائج السلبية المتوقّعة، ليس على مسار الحرب السورية، بل على ما قد تتركه من انعكاسات سلبية خطيرة جداً على الداخل اللبناني.

وتقول تلك الأوساط إنّ الإصرار على المسّ بالحدّ الأدنى من الاستقرار السياسي والأمني الذي لا يزال يتمتّع به لبنان، مستفيداً من شبه الإجماع الدولي والإقليمي حوله، إنّما يجري وفق تقدير سياسي يخالف المسار العام الذي دخَلته الحرب السورية في هذه المرحلة.

لا بل تعتقد أنّ سوءَ التقدير يبدو أنّه بات متلازما لهذا المحور، مع سلسلة الانتكاسات التي تعرَّض لها مشروعه، بعدما لامَسَ محظورات تذكّر بما جرى في تجارب أخرى خبرَتها المنطقة على امتداد عقدَين مِن الزمن، أو أكثر.

وعلى رغم عدم وضوح المآل الذي سترسو عليه المواجهة المفتوحة في سوريا، ولا ماهية الحلول المقترحة وطبيعة القوى التي ستشارك فيها، خصوصاً أنّ المشاورات التي بدأها المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا لا تزال في بدايتها، فإنّ الدخول في مغامرة عسكرية جديدة قد تكون نتائجه قاتلة على الجميع.

تدعو تلك الأوساط الى ضرورة فهمِ الحراك السياسي الجاري في المنطقة، في وقتٍ تُسدَى النصائح إلى المعنيين بضرورة الانتباه إلى «الخطوط الحمر» التي وقفَت مرّة جديدة عائقاً أمام محاولات المَسّ بثوابتها.

هذا ما جرى في العراق منذ حرب الخليج الأولى إلى الحرب على «داعش»، وهذا ما يحصل اليوم في اليمن، وما حصل بشكل فاقع في سوريا أيضاً.

ويُحَذّر خبراء عسكريون من أنّ حرب الاستنزاف الجديدة التي قد يتورّط فيها الجميع في بقعة تعادلُ نصفَ مساحة لبنان على الأقلّ، قد تحوّلها مأزقاً لا يمكن معادلته بكلّ الانتصارات التي يمكن أن تحقّقها، على المدى البعيد.

إشارات عدّة تصدر عن دوائر أميركية بحثية وسياسية تشير إلى أنّ العَدّ العكسي قد يكون بدأ لخلافة التركة التي ستنجم عن مغادرة النظام السوري السلطة.

ولعلّ الموقفَين الروسي والإيراني ممّا جرى ويجري في الإقليم في هذه الفترة، يُظهران أيضاً أنّ الخيارات المتاحة باتت أضيَق، ما فرَض دخولهما عمليّاً في مرحلة نقاش البدائل.

وخِلافاً لِما يعتقده البعض، يقرأ خبَراء التصريحات الأميركية وحتى الإسرائيلية تجاه مستقبل إيران النووي، من زاوية تشير إلى أنّ المرحلة المقبلة باتت مرحلة البحث في الدور الإقليمي الممكن والمقبول لإيران، وليس في خطرها النوَوي.

وزير الخارجية الأميركي جون كيري كان واضحاً في تصريحه الأخير من سريلانكا، حين أكّد أنّ بلاده ستوَقّع اتّفاقاً يمنع إيران من تطوير سلاح نووي، ويفرض رقابة دائمة ليست محدودة بعشر أو خمسة عشر سنة، في حين تولّى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو التأكيد على أنّ تل أبيب لن ترضى بأن تكون حدودها الأربعة تحت تهديد صواريخ إيران ورجالاتها!

لا بل هناك مَن يعتقد أنّ إدارة الرئيس الأميركي «المتردّد» باراك أوباما، نجحَت في تحويل خيار توقيع إيران هذا الاتّفاق أمراً ملزماً، بعد سدّ كلّ المنافذ التي يمكن أن تؤدّي إلى التملّص منه وتطويقها.

وأمام حجم «الاحتشاد» الإقليمي الذي سيبلغ ذروتَه مع انعقاد القمّة الأميركية الخليجية بعد نحو أسبوع، تبدو الولايات المتحدة نجحَت في إعادة تطبيق سياسات التوريط نفسها التي مارسَتها تجاه قوى المنطقة مع إيران، من الرئيس السوري السابق حافظ الأسد في لبنان، إلى الرئيس العراقي السابق صدّام حسين في حربه ضدّها واجتياحه الكويت لاحقاً، وصولاً إلى سياسات غضّ النظر عن تورّطها أخيراً في اليمن.

وتختم تلك الأوساط بالقول إنّ واشنطن ليست مربَكة ولا تحتاج جهداً كبيراً لتقديم ضمانات إلى حلفائها العرب، عبر البحث في «جنس» المعاهدات التي يمكن أن توقّعها مع دوَل الخليج في مواجهة «الخطر الإيراني».

فـ«عراضات» القوّة الأخيرة التي شهدَتها سواحل اليمن ومضيق هرمز، كانت كافية للتعبير عن حدود «التخَلّي» الأميركي الممكن عن تلك المنطقة، في وقتٍ لا تزال تتمتّع فيه بأهمّية إقتصادية وسياسية واستراتيجية فائقة للمصالح الأميركية.

لذلك، فمِن الوهم الاعتقاد بأنّ واشنطن ستخرج من المنطقة لتسلّمها إلى قوّة إقليمية لا تختلف في التحليل الأخير عمّا يقابلها من نظمٍ تقوم على منظومة فكرية وعقائدية يختلط فيها الديني بالمذهبي بالقومي.