يعلو صوت النظام السوري في هذه الأيام، موجهاً أبواقه ومساعيه المستغيثة الصادرة عن مسؤوليه العسكريين وأهل الحل والربط لديه من ذوي العلاقة المتميزة بحلفائه ومريديه وداعميه، ولعل زيارة وزير الدفاع السوري مع مجموعة من ضباطه إلى طهران قد تمت وسط أكداس من الإستغاثات والتوقعات السيئة والتحسبات السوداء التي باتت تعشش في أذهان أهل النظام وأركانه، وهي تتواكب مع تحولات دراماتيكية على مدى الساحة السورية تجسد انتصارات للقوى المسلحة المعارضة ناتجة عن جهود محلية وإقليمية ودولية سعت ونجحت في جمع معظم العناصر المحلية الوطنية على ما بينها من تمايزات صغيرة وكبيرة، في إطار عسكري متآلف ومتحالف، خاضع، لقيادة موحدة، وقد تحقق ذلك، وربما للمرة الأولى منذ إنطلاقة الثورة السورية بعد أن ارتدت رداءها وطابعها العسكري بُعيد تعرضها للعنف الأسدي المسلح، ولمحاولات صبغها بالطابع التكفيري والإرهابي المتطرف، فكان أن نجح النظام تدريجياً في تحقيق بعض النجاحات في هذا الإطار وتآلف جهد النظام السوري مع الدوافع والدوافش الإيرانية التي أمنت له حشوداً من قيادات الحرس الثوري الأساسي في إيران وحشوداً أخرى متنوعة من حرس ثوري آخر مؤلف من ميليشيات متعددة من لبنان والعراق مدعومة بقيادات فارسية الطابع، مذهبية العقيدة، ولبث هذا المزيج يؤيد ويساند ويدفع بعضه بعضاً، على امتداد الأرض السورية، وحيثما تيسر له من مجالات أخرى لوضع أصابعه التآمرية على امتداد الوطن العربي الذي نجحت إيران مع الأسف، ولو إلى حين، باستغلال نقاط ضعفه من خلال خلافاته ومناكفاته بالغة العمق والتعقيد، الأمر الذي ترك للنظام السوري فرصة للصمود والإستمرار حتى هذه المرحلة.
ولكن… يبدو أن صفحات جديدة من أيام الثورة السورية قد بدأت تبرز في الأجواء العامة متمثلة بجملة من المستجدات تكاتفت على ما يبدو لتدل على أن الأحوال مهما رسّختها الظروف ووثّقت بقاءها، فهي بالنتيجة إلى تخلخل وتصدع تمهيدا للإنحلال والزوال.
الضربات تتوالى على النظام السوري.
على امتداد الساحة السورية تتقدم المعارضة عسكرياً وتدعم وحدتها وتفاهماتها وممارساتها على الأرض، استراتيجياً وسياسياً، وكان مشهد فرار القوات الأسدية بالمئات على شاشات التلفزة في مواجهة لها مع مقاتلي الثورة بوجهها الجديد المتطور، أبرز دلالة على أحوال هذه الأيام التي تشير كل الظروف إلى انقلابها صورة وتصوراً، مدعومة بتقدم مثير للإنتباه على معظم الجبهات، وأهمها تلك الإنطلاقات من حول دمشق ونحو الساحل السوري ومنطقة بانياس واللاذقية التي كثرت التوقعات حالياً بأن النظام بات يفكر جدياً بنقل تركيبته الأمنية والسياسية إليها والتقوقع وإياها في النطاق المذهبي الضيق الذي شاء لنفسه ولسياسته وتوجهاتها أن يحشر نفسه فيه، تاركاً للمد السوري الشعبي، بقية المناطق السورية، ولعل بعض ما يستجد على ساحة التحولات العسكرية، هو استباق للأحداث والمخططات التقسيمية ضيقة الأفق شديدة الأثر وسريعة الحركة. في غمرة هذه الأحداث التحولية البارزة، بدأت الأجواء تمتلئ «بطبول الإخطار والإنذار» المؤشرة إلى أن حزب الله هو على أهبة المباشرة بحرب ضروس تشن في منطقة القلمون، مدفوعاً بجملة من الأحداث المستجدة، سواء تلك الحاصلة في سوريا أم تلك التي طرأت في اليمن من خلال «عاصفة الحزم» السعودية ولواحقها، ومندفعاً إلى حيثما كان وصولاً إلى اليمن ومطباته وزواريبه الخطرة من خلال تعليمات وأوامر مباشرة تلقاها من إيران وبالتالي نحن بهذا الصدد أمام مصلحة إيرانية عليا لا تهمها إطلاقاً أي مصلحة لبنانية وأي تخوف من انهيار حالة الركون والركود الأمني القائمة ولا يهمها تخوف على حياة المخطوفين من رجال الأمن والعسكريين اللبنانيين والذين ستكون حياتهم تحت وقع وخطر أية هجمة بإتجاه القلمون، وبينما يمهد الرئيس بري لهذه الحرب مؤيدا لإنطلاقتها القريبة لكون بعض أحداثها ومسبباتها تحصل على الأرض اللبنانية، بينما تشير كل الدلائل أنها في حال اندلاعها ستتم على الأرض السورية بكامل مراحلها وتطوراتها الأمر الذي يؤكد مجدداً على تجاوز حزب الله المستمر للدستور والقوانين والقواعد اللبنانية فضلاً عن تجاوزه للأسس الديمقراطية التي تعطي للدولة وحدها حق إتخاذ قرارات الحرب والسلم، خاصة منها ما يتعلق بأمن لبنان وسلامة أراضيه، وخاصة أن هذه الصلاحية العسكرية والدفاعية والأمنية، يمارسها الجيش اللبناني وقوى الأمن اللبنانية المختلفة حتى الآن بكل كفاءة وجدارة، خاصة في تلك المنطقة المذكورة بالذات، وهو ما فتيء يستعد لكل ما يفرضه عليه الواجب الوطني في هذا النطاق وينمي قدراته اللوجستية وأسلحته الدفاعية والهجومية، مستعيناً بالتحديد، بالقدرات الواسعة التي وفرتها له المساعدات السعودية العسكرية والبالغ مجموعها أربعة مليارات دولار أميركي، ومحاطاً بتأييد شعبي ووحدة وطنية كاسحة لم يسبق أن توفرت له بهذا الحجم وهذا الدعم في أية مرحلة سابقة.
لذا، فإن من يقرعون طبول الحرب ويتجاوزون جيشهم الوطني، وكأنه جيش لدولة أخرى ولشعب آخر، يرتكبون في حق الوطن وحق جيشه جملة من الإساءات التي لا بد وأن يطفو حجمها ووزنها على ساحات الواقع والمصير الوطني في أقرب الأوقات الحافلة بالأنواء والعواصف.
ومنذ أيام قليلة، تسربت إلى مسامع الرأي العام تخوفات مسؤولة تتناول مصير الحوار الوطني الدائر حالياً ما بين حزب الله وتيار المستقبل، وهو الحوار الذي يردد الكثيرون بأنه الكابح الذي لا بد منه لمنع تدهور الأوضاع اللبنانية إلى ما لا تحمد عقباه.
فما هو الأثر الذي ستتركه هذه الحرب بصبغتها المشار إليها أعلاه، على مستوى الوطن كله ؟
إنه السؤال الذي لا بد منه، والذي لا بد من تقدير واع وحكيم، لأخطاره وآثاره وارتداداته المحلية والإقليمية والدولية.