Site icon IMLebanon

معارك القلمون الميدانية – المصيرية… والمعارك الديبلوماسيّة الموازية

هناك قلمٌ أحمر يرسم سيرَ المعارك، يُحدّد الأهداف، ويُدقّق جيّداً في الخطوط الحمر، ويوازن ما بين المسموح والممنوع. ليست معارك القلمون ميدانيّة، بل ديبلوماسيّة أيضاً، هناك اهتمامٌ ومتابعة لمسار المستجدّات، إنّها غير معزولة عن المفاوضات التي بدأها الموفَد الأممي ستيفان دو ميستورا مع ممثّلين للنظام وسائر أطياف المعارضة تحضيراً لجنيف – 3.

إنّها حاضرة في الكولسات الإيرانيّة مع مجموعة (5+1) لوضع اللمسات الأخيرة على صيغة الاتّفاق النووي. إنّها في كمب ديفيد أيضاً، ذلك أنّ الملف اليمني لن يكون المحور الوحيد في محادثات الرئيس باراك أوباما مع من يمثّل دوَل مجلس التعاون الخليجي، بل سوريا وإيران أيضاً.

ماذا يرسم القلم الأحمر؟

على الخريطة الديبلوماسيّة دوائر حمراء عن أهداف «قيد التحصيل»، منها إحداث نوع من التوازن الميداني. بعض عواصم دوَل القرار يُطالب بتحقيقه وصولاً إلى معادلة «توازن في الميدان… يؤدّي إلى توازن في المفاوضات».

لدى هذه العواصم، وفي طليعتها موسكو، إقتناعٌ بأنّ التسوية لا يمكن أن تحصلَ على قاعدة «غالب ومغلوب»، بل على قاعدة «تكافؤ في أحجام القوى والمواقع»، يُعبّد الطريق إلى حوار جدّي حول أيّ سوريا مستقبلاً، وأيّ نظام؟

ومِن الأهداف «قيد التحصيل» حماية الشرايين السرّية ما بين مواقع «حزب الله» في البقاع، وصولاً إلى دمشق، فطهران. إنّ جغرافيّة القلمون شاسعة الأبعاد غليظة التضاريس، غنيّة بالمواقع الإستراتيجيّة المشرفة على شبكات الطرق والمواصلات، الكاشفة على امتدادات نائيّة.

إنّ السيطرة ليست سهلة ولا مضمونة الجوانب، نظراً لكثرة الثغور التي تشكّل محميّات طبيعيّة للميليشيات المسلّحة، فضلاً عن الخبرة الواسعة التي تملكها غالبيّة العناصر حول طبيعة الأرض والمزاج العام.

وتبقى معارك القلمون مصيريّة، فالمنطقة حسّاسة، إنّها بالنسبة إلى «حزب الله»، بمنزلة الرئة، بواسطتها يتنفّس، ومنها وعبرها يستمدّ الأوكسجين لمقاومته، وعناصره المسلّحة، ويُحقّق نوعاً من التوازن في الحسابات المفتوحة بين القوى الكبرى المؤثّرة على المشهد السوري بدءاً من الإيراني، الى التركي، فالخليجي، والإسرائيلي، وصولاً الى دو ميستورا وما يخطط له في جنيف. يريد الحزب أن يحمي ظهره قبل أن يفتحَ جبهة الجولان، القنيطرة، مزارع شبعا مع إسرائيل.

أمّا بالنسبة الى الفصائل المسلحة فهي بمنزلة «الدويلة» التي لا بدّ من الدفاع عنها حتى الرمَق الأخير. الحسابات عند «جبهة النصرة»، و»القوى المؤازرة» تثبيت الأقدام والحضور، وبسط النفوذ والسيطرة، والتوسّع لتحقيق «اللسان السنّي» الممتدّ من القلمون، إلى عرسال، إلى وادي خالد وعكّار حتى البحر.

أمّا الحسابات عند «حزب الله» فمغايرة، الأولوية هي للقضاء على حلم «الدويلة الداعشيّة»، والعمل على إحباط المخطط الرامي إلى إقامة «اللسان السنّي»، والسعي إلى إحداث «دفرسوار» طبيعي ما بين التمدّد العلوي في الساحل السوري، والتمدّد الشيعي في مواقع القتال والنزال.

لقد بدأت معارك القلمون وفقَ توقيتٍ دولي مُتقَن. فتح الأميركي ورشة للخليجيّين في اليمن، وانصرفَ بهدوء إلى تدوير الزوايا الحادّة في مسوّدة الاتّفاق مع إيران، وأعطى المعارضة السورية من طرفِ اللسان حلاوةَ «الشعب يريد إسقاط النظام… نحن معَكم… لكن لا بدّ من التأكّد من هوية الشعب، هل هو المعارضة الوطنيّة المعتدلة الهادفة، أم «داعش» و»جبهة النصرة»، وتوابعهما؟ ولا بدّ من التأكّد من النظام البديل، إذا ما سقطَ الحالي».

الروس في المرصاد، منحوا صواريخَهم المتطوّرة إلى الإيراني، ومنحوا الخليجي القرار 2216 حول اليمن بامتناعهم عن استخدام حقّ النقض «الفيتو»، ومنحوا المعارضة السورية فرصة توحيد الصفوف والمواقف من خلال «موسكو – 1»، و«موسكو – 2»، والآن يحملون القلمَ الأحمر إلى جانب دو ميستورا في جنيف لتأكيدِ المطلوب من «جنيف – 3»، وشطبِ المرفوض. روسيا لا تقامر على جِلد الدبّ، والدبّ الروسي في اللاذقية وطرطوس خارج كلّ المناورات والصفقات التي تُحاك في السِرّ والعَلن حول سوريا.

أمّا فرنسا المجتهدة في بيع مقاتلاتها، وإبرام صفقات الأسلحة بمئات المليارات من الدولارات لبعض دول الخليج، فتعرف تماماً أنّ دفتر حساب جديد قد فُتح حول سوريا، من جسر الشغور حتى القلمون، ومن معارضات شتّى، إلى معارضة معتدلة تمدّ بالتدريبات وبالسلاح.

هناك قلمٌ دوليّ أحمر يَرسم استراتيجيات جديدة مستفيداً من الفوضى الداخليّة السائدة، ويُحدّد معالمَ أيّ سوريا ستبقى على الخريطة، وأيّ نظام… واستطراداً، أيّ لبنان سيكون في ظلّ عبء مليونَي نازح سوري، ونصف مليون لاجئ فلسطيني، ومؤسّسات يَستبيحها الفراغ؟.