توفّر حرب القلمون والحدود الشرقية، والوقت الطويل الذي قد تستغرقه كأحد شرايين لا يرتوى منها في الحرب السورية المفتوحة، عذراً اضافياً للمنادين بتأجيل تسريح الضباط الكبار، وأخصهم قائد الجيش العماد جان قهوجي
اكثر من اي وقت مضى، بات مشجعو تأجيل تسريح الضباط الكبار يرون في مبررات المادة 55 من قانون الدفاع الوطني، القائلة بتأجيل تسريح المتطوعين ضباطاً وعسكريين، حجة مقنعة لتجميد الخوض في تعيينات عسكرية وامنية جديدة. تجاوزت حرب القلمون، والتهديدات المتوقع ان تنجم عن تداعياتها عند الحدود الشرقية، الاسباب التي اوردتها المادة 55 عندما تكلمت عن تكليف الجيش حفظ الامن. اضحى الآن في صلب المواجهة الى حد بعيد.
في بعض ذرائع رافضي تأجيل التسريح، اعتقادهم بتعمّد سوء تفسير المادة 55 عندما صار الى تطبيقها عام 2013، للمرة الاولى في ظل القانون الحالي للدفاع، بغية تمديد سن الخدمة لقائد الجيش العماد جان قهوجي. تاليا تمسك هؤلاء بمعارضتهم كل ما سيق مذ ذاك من براهين، على أن الوضع الامني في الشمال لا يسمح بتغيير قيادة الجيش، ويحتّم الابقاء على قهوجي، ومن قبل على مدير المخابرات العميد ادمون فاضل.
على ان السبب الفعلي لتأجيل التسريح لم يكمن في ذلك الحين في العامل الامني، مقدار ارتباطه بالخلاف على تعيين قائد جديد للجيش، ولم تكن ولاية الرئيس ميشال سليمان قد انتهت. فاذا الازمة تمحورت حول انقسام مجلس الوزراء على خلف قهوجي. السبب ذاته افضى الى التمديد الاول لولاية البرلمان عام 2013، ثم الى التمديد الثاني بعد سنة وسبعة اشهر، بذريعة ان الكتل النيابية انقسمت على نفسها حيال القانون الجديد للانتخاب. آل ذلك، بالتزامن، الى استمرار قهوجي ومجلس النواب في ولايتيهما. الامر الذي لم يُعطَ لثلاثة اعضاء في المجلس العسكري لم يؤجل تسريحهم هم الكاثوليكي والارثوذكسي والشيعي، فشغر نصف المجلس. بل لم يُعطَ هذا الاجتهاد للواء اشرف ريفي حينذاك على ابواب انتهاء ولايته على رأس المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، من جراء خلاف في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ــــ الذي أرجأ تسريح قهوجي ــــ على بقاء ريفي في منصبه. فتقاعد في نيسان 2013. اليوم يشقّ الاجتهاد ذاته طريقه الى المدير الخلف اللواء ابراهيم بصبوص.
الممنوعات: اسقاط الحكومة، فراغ في المؤسسات العسكرية، ووقف الحوار
وعلى نحو مغاير يقود الى الاستنتاج نفسه رافق حكومة ميقاتي، عندما تقصّدت الاخفاق في الاتفاق المسبق على تعيين قائد للجيش، تجد حكومة الرئيس تمام سلام نفسها غير معنية بهذا الاستحقاق، في ظل الشغور الرئاسي وانتقال صلاحيات رئيس الجمهورية اليها. الا ان رئيسها يحيل التعيين على التوافق المسبق للافرقاء على خلف قهوجي. الشرط نفسه يفرضه على مشروع قانون تعديل سن تقاعد العسكريين. لا يطرحه في جدول اعمال مجلس الوزراء ما لم يتوافق الافرقاء المعنيون عليه.
منذ اندلعت حرب القلمون يُنظر الى الجيش على انه في قلبها، من غير ان يشارك فيها بالضرورة. عين على الحدود، واخرى على استقرار قيادته الى حين استعادة الحياة الطبيعية في البلاد واعادة بناء المؤسسات الدستورية. يصحّ ذلك على القاعدة التي تشيع في المؤسسة العسكرية، وفي الاوساط السياسية المؤيدة لقرار تأجيل التسريح، بالقول ان لا قائد جديداً للجيش قبل انتخاب رئيس للجمهورية.
بذلك لم يعد بعيدا اتخاذ قرار بت مصير بصبوص قبل احالته على التقاعد، بعد اسابيع قليلة، في 5 حزيران. وهو اول غيث المضي في خيار يشيع ايضا في اوساط اليرزة انه حتمي. بين هؤلاء مَن يقول ان القرار صار وراءهم. يعزّز اعتقادهم الارتياح الذي يبديه قهوجي، في لقاءات ومناسبات اجتماعية يشارك فيها، الى استمراره على رأس المؤسسة العسكرية.
عند هذا الحد، وفي هذا التوقيت بالذات، يتحوّل موقف الرئيس ميشال عون ــــ رأس حربة اخراج قهوجي من منصبه ــــ معضلة، وقد بات امام خيارات ضيقة:
1 ـ بالتأكيد يؤخذ تهديده باعتكاف وزيريه جبران باسيل والياس بوصعب عن المشاركة في جلسات مجلس الوزراء على محمل الجد. وهو بدوره لن يتردد في اظهار صدقية ما يعتزم القيام به. سيجد حزب الله وتيار المردة وحزب الطاشناق الى جانبه في الاعتكاف، ما يعطّل حكما الجلسات سياسياً، دونما التعويل بالضرورة على الثلث +1 لاعطاب نصاب الثلثين الملزم لانعقاد مجلس الوزراء. بيد ان تصرفاً كهذا يلي تأجيل التسريح، يمسي انتقاماً من حكومة سلام اكثر منه انتقامه من قائد الجيش.
2 ـ لا يتعدى رد الفعل السلبي المحتمل لعون على تأجيل التسريح السقف المخفوض، وهو قصره على الاعتكاف. بيد انه سيفضي الى ادخال السلطة الاجرائية ــــ وان موقتا ــــ في دائرة الشغور الرئاسي ومنع مجلس النواب من الالتئام. بازاء توقع رد فعل كهذا، ثلاثة ممنوعات غير قابلة للتجزئة والمسّ: اسقاط حكومة سلام، الفراغ في الادارات العسكرية والامنية، وقف الحوار السنّي ــــ الشيعي.
3 ـ يقف حزب الله الى جانب رئيس تكتل التغيير والاصلاح في عناوين ثلاثة: تمسكه بترشحه لانتخابات الرئاسة وعدّه مرشحا وحيدا للحزب، دعم المطالبة بتعيينات عسكرية وامنية في مجلس الوزراء حتى يحين اوان دق ناقوس الفراغ، الانضمام الى رد فعله متى صار الى تأجيل تسريح الضباط الكبار واخصهم قائد الجيش.