IMLebanon

توفيق سلطان: لهذه الأسباب قُتِل “المعلّم”… ووليد دخل مضطراً “التسوية”

 

47 عاماً على اغتيال كمال جنبلاط

 

ذات يوم كتب كمال جنبلاط: «وإنما وُجدنا أساساً لكي نحيا لا لكي نموت، وإنما الموت فكرة لا أكثر، فهل تستطيع الروح أن تموت؟». مات كمال جنبلاط شهيداً، مثله مثل الشيخ حسن خالد وبشير الجميّل ورفيق الحريري ورينيه معوض وجبران تويني وسمير قصير وبيار الجميّل وأنطوان غانم ووليد عيدو ومحمد شطح ووسام الحسن وجورج حاوي… ومثل مئات مئات وليس آخرهم شهداء تفجير الرابع من آب. لكن اليوم، في الذكرى السابعة والأربعين على استشهاد كمال جنبلاط (1917- 1977) نسأل: ماذا بقي منه؟ ماذا عن المختارة؟ ماذا عن قابليّة إحياء أفكار كمال جنبلاط ومبادئه؟ توفيق سلطان الذي رافقه غاص في مسيرته في ذكراه مسترجعاً ما يفترض أن يبقى.

قضى كمال جنبلاط في سبيل أفكاره. توفيق سلطان لا يرغب، كما لم يرغب يوماً، في قول اسم من قتله لكنه غاص في أسباب قتله. ولا تحتاج التفاصيل الى لبيب ليفهم. فلنبدأ في تفاصيل محطات زعيم. يقول سلطان: «من ليس لديه ماضٍ لا مستقبل له. فالأشخاص مثل كمال جنبلاط لا يمرّون يومياً في الوطن، فكمال جنبلاط وكثيرون ممّن كان مختلفاً معهم هم نخبة قام عليهم لبنان. كمال جنبلاط كان زعيم الطائفة الدرزية في قسم من جبل لبنان، أسّس الحزب التقدمي الاشتراكي، وحاول تنويعه من كل الطوائف ونجح. هو أبى التقوقع بل أصبح زعيماً على مستوى العالم العربي. تألّق من خلال الجبهة العربية المشاركة التي رأسها وله شوارع باسمه في الجزائر وبغداد والقاهرة و… و… هو رجل ذو قيمة وقيمة البلد مرتبطة بقيمة رجالاتها. وما نريده هو إبقاء أفكاره حيّة».

 

الشريك

 

لكن، كمال جنبلاط له امتداده من خلال وليد جنبلاط وحالياً عبر تيمور… يقاطعنا سلطان بالقول: «ما يعزّينا هو أن وليد أصبح الوريث لموقع كمال جنبلاط الذي مضى 47 عاماً على اغتياله. وجود وليد السياسي استمرّ أكبر من البقعة الجغرافية التي يقف عليها وأكبر حتى من عدد ناخبيه. كمال هو من وضع أساس العمل السياسي وعلينا أن نتذكّره ونتمثّل به وأن يتثقف الجيل الجديد على مبادئه أقوالاً وأفعالاً. هو قاتل الفساد وشكّل أوّل حركة سياسية ضدّ رجل الاستقلال بشارة الخوري، سمّيت الإنقلاب الأبيض من خلال الجبهة الاشتراكية التي شارك فيها مع كميل شمعون وغسان تويني وبيار إده وآخرين».

 

ماذا لو بقي كمال جنبلاط حيّاً؟ ما كان بإمكانه أن يفعل ولم يقم به وليد جنبلاط؟ يجيب توفيق سلطان: «لم يكن بمقدوره شيء لأنه ثبت أننا لم نتمكّن من توحيد الرؤية على بلد واحد. لو طُبّق إلغاء الطائفية السياسية لكانت حُلّت مشاكل كثيرة. لو تحقّقت مبادئ كمال جنبلاط، أو أقلّه لو تحقّق قسم منها، لَما كنّا وصلنا الى ما وصلنا إليه. لو طبّقوا قانون «من أين لك هذا؟». كمال جنبلاط لم يكن مجرد وزير مع فؤاد شهاب بل شريكاً. هو من أسّس المشروع الأخضر والإنعاش الاجتماعي وغيرهما. هذه كلها مشاريع كمال جنبلاط. هو وضع برنامج الإصلاح السياسي وأحد بنوده الانتخاب على قاعدة النسبية. فماذا فعلوا؟ وضعوا عنوان القاعدة النسبية بقانون طائفي مذهبي فاسد هجين. لذلك علينا تثقيف الأجيال الجديدة على نضالات كمال بك والقول إن هذا هو المرض وهذا هو الدواء».

 

تتحدث بلسان رفاق كمال جنبلاط لكن، ألم يقصِ وليد جنبلاط عدداً من رفاق والده؟ يجيب: «هذا الكلام فيه ظلم. من ثبت وبقي وطوّر نفسه بقي».

 

أنت رفيقه لكن هل تنتمي الى «رابطة أصدقاء كمال جنبلاط» التي يرأسها عباس خلف؟ يجيب: «أنا لست مضطراً الى أن أكون ضمن مؤسسة. أنا في المؤسسة الكبرى. صحيح أن لا مركز رسمياً لي لكني أعمل من أجل الإبقاء على أفكار كمال جنبلاط. وحديثنا اليوم جزء من هذا العمل. أذكّر بنضالات الرجل. كان إنساناً عملياً يسارياً وله امتداداته العربية. هو يساري لكنه اقتحم المواقع الأخرى. ذهب الى السعودية – وكنت معه كمسؤول العلاقات الخارجية في الحزب الاشتراكي. إلتقى الملك فيصل الذي له أدبياته ومواقفه. وأعتقد أن الملك السعودي لم يجد محاوراً بهذا الحجم الذي كان عليه كمال بك. يومها تحدّث الملك عن الصهاينة والشيوعية وقال: هما وجهان لعملة واحدة. زار كمال جنبلاط أيضاً تونس، قابل الحبيب بو رقيبة الذي قال له: أنت لا تحبني بل تحبّ جمال عبد الناصر. أجابه: أنت بطل تحرير وأنشأت نظاماً علمانياً متطوّراً في بلدك وأنا معجب بك. وشاركته زيارته الى المغرب ولقاءه مع ملكها الحسن في مراكش الذي قدّم لكمال جنبلاط أعلى وسام في المملكة وشاح محمد الخامس».

 

بين الأب والابن

 

وليد جنبلاط حمل الأمانة لكنه، بسبب تطوّر الأحداث والظروف، لم يستطع تطبيق رؤية والده بشكل كامل. لكنه استمرّ حاملاً الأمانة. ويستطرد سلطان: أنظري كيف يتصرّف الأفرقاء حيال رئاسة الجمهورية وكيف تصرّف وليد جنبلاط. قالوا يريدون رئيس تحدّ فهل برأيك لبنان قادر على إنجاب رئيس تحدّ؟».

 

رئيس التحدّي هو من يستطيع اتخاذ المواقف؟ يجيب: «تحدثوا عن ميشال معوض فقال لهم وليد فليكن. تحدثوا عن جهاد أزعور فقال لهم فليكن. بقي منفتحاً. إلتقى لاحقاً «حزب الله» فقامت الدنيا. تصرّف بمرونة ولم يتقوقع. أتى نبيه بري وقال: فلنتحاور. أنا كنت شاهداً على اختيار الرئيس في السبعينات. يومها أجرى كمال جنبلاط ما يُشبه الامتحان لسليمان فرنجية والياس سركيس. سأل سركيس أسئلة لكنه لم يتوفّق في إجاباته. فاستقبل سليمان فرنجية في مكتب التقدمي الاشتراكي يرافقه حبيب كيروز وسأله: سليمان بك كيف تطمئن الشباب في ظل قانون الترخيص للأحزاب؟ أجابه: أنا مؤمن بأن الله خلق الناس أحراراً فهل أقيّد حريّتهم؟ سأله: كيف ستتعامل مع العرب؟ أجاب: هل «يعتل» بلد فيه كمال جنبلاط همّ كيف يتعامل مع العرب؟ سأله سؤالاً محرجاً: ما هو رأيك بالعمل الفدائي؟ أجاب: الله يلعن العمر (قاصداً أنه لو كان أصغر سناً لحمل البندقية). الأجوبة طمأنت كمال بك. الأفرقاء اليوم بحاجة الى من يطمئنهم أيضاً».

 

واجه الأسد… واستشهد

 

يقول توفيق سلطان: «كمال جنبلاط واجه حافظ الأسد الذي عرض عليه مشروعاً فأجابه: لن أقبل به. عاد الى لبنان واستشهد من أجل موقفه السياسي. كمال جنبلاط قال لحافظ الأسد في وجهه: لا حرية في بلدك ولا يمكنني أن أمشي معك».

 

كم يُشبه وليد جنبلاط والده؟ يجيب: «هناك أمور كثيرة تتغيّر. تتغيّر الأحكام بتغيّر الزمان. يعمل وليد منذ 47 عاماً ليل نهار من دون توقف. حزبه تقدّم. حتماً هناك ثغرات تتمثل في أنه لم يخترق المناطق لكن الحق ليس عليه. أتت فترة كان ممنوعاً عليه أيام الوجود السوري الامتداد الى الخارج. هذا منطق السوريين كما منطق فؤاد شهاب. أخبرني نائب في منطقة بعبدا وعضو المكتب السياسي في الحزب التقدمي الاشتراكي محمد عباس ياغي أن فؤاد شهاب كان يقول له: ما لك ولابن جنبلاط؟ رفيق الحريري تعرّض الى الشيء نفسه. دعاه مرة وجيه البعريني الى عكار لكنهم لم يسمحوا له بذلك وتحجّجوا بالطقس العاطل. وليد جنبلاط انطبق عليه ما طُبّق على رفيق الحريري. وأنا لا أوافقه على الانصياع الى ذلك».

 

لا توافق على انصياعه لكنّ والده قُتل أمامه لأنه اعترض؟ يجيب: «العمل السياسي فيه مخاطرة». هل نفهم منه أن وليد جنبلاط لم يخاطر؟ يقول: «اكتشف وليد أنه أمام حلّ من اثنين: إمّا أن يأخذ خط المعارضة القاسي ويغادر كما فعل ريمون إده، وإما أن يبقى فاعلاً في الحياة السياسية والدخول في تسوية والعمل على إبطال مفاعيل اغتيال والده، كشخص، وهو العالم أن كل شخص سيأتي يوم ويموت. الأهم أن تبقى مبادئه وخطه السياسي ويبقى البلد موجوداً. وليد اتّبع الأسلوب الثاني وهناك من يقول عنه: يغيّر. لا، هذا ليس تغييراً بل مرونة سياسية من أجل الاستمرار».

 

كان يعرف متى سيموت

 

لكن، كيف يمكن لبلدٍ أن يستمرّ من فيه مرنين قبالة الموت والاغتيال وعلى حساب قتل أب وأخ وابن؟ يجيب: لم يكن هناك أي حل آخر. ويستطرد: قبل استشهاد كمال جنبلاط كنت مستلماً العمل الخارجي المركزي في الحزب الاشتراكي في مصر. ركب في قارب وزارني. قلت له: يريدون قتلك. أجابني: أعرف. قلت له: لماذا لا تغيب فترة الى حين لا يعود تغييبك أولوية؟ لم يجب. هو لديه نظرية من الهند أنه يعرف متى سيموت. كان لديه مرشد هناك يقرأ في حسابات الشمس ويأخذ طول الظل ويحدّد متى يموت الإنسان وفي أي ساعة».

 

لكن، إلام استند توفيق سلطان ليقول له: سيقتلونك؟ يجيب: «أنا لست محققاً ولا أعمل في الأدلّة الجنائية لكنني أستطيع أن أقول: لماذا قُتل كمال جنبلاط لا أن أحدّد من قتله. في سبعينات القرن الماضي أرادوا تصفية القضية الفلسطينية كما يجري اليوم في غزة. القصة ذاتها وكلّف بها الملك حسين الذي فشل وهرب ياسر عرفات ومات جمال عبد الناصر و»فرط» المشروع. وولد مشروع آخر. أتوا بالفلسطينيين الى لبنان البلد الصغير الذي يضمّ تناقضات كثيرة وكلّف حافظ الأسد بالشأن اللبناني ووعد بإمبراطورية من العقبة الى إسكندرون. كمال بك لم يمش معه بل حمل القضية الى مصر والعراق وباريس وموسكو والجزائر وليبيا ويوم عاد الى لبنان عبر البحر قتلوه. إغتيل كمال جنبلاط وأحسده على موته لأنه لم يذب كما الشمعة بل يستمرّ حياً بعد 47 عاماً على استشهاده».

 

هل يجد في تيمور جنبلاط استمرارية لفكر الجدّ ومشروعه؟ يجيب: «تيمور هو ولدنا المثقف والمتعلم». لكن، هذه وراثة نحن نسأل عن المشروع؟ يقول: «هو يتطور. ولا تنسي أن وجود وليد وهيبته يحجبان حضوره بعض الشيء وإن كان الأخير يحاول أن يبقى في الظلّ ليعطيه النور والشمس» ويستطرد: «هناك أمور تمتّع بها كمال لن تتكرر لا مع وليد ولا مع غيره. وهناك أمور أخرى تقدّم فيها وليد على كمال. وليد جنبلاط تنظيمياً أهم من والده. وفترة كمال في العمل السياسي كانت أقصر من الفترة التي عاشها وليد والتي هي أكثر صعوبة من فترة كمال. وتيمور قابل للنمو لأنه من بيئة سياسية».