IMLebanon

كمال جنبلاط وبيروت

أدوّن هذه الكلمات في الذكرى الثامنة والثلاثين لاستشهاد القائد الكبير كمال جنبلاط، ولمناسبة تدشين الشارع الذي يحمل اسمه في قلب العاصمة ـ شارع مصرف لبنان سابقاً.

وفي الشارع معالم لها علاقة بكمال جنبلاط: ففيه المكتبة الوطنية، وهو كان من أبرز المفكرين اللبنانيين. وفيه أيضاً مقر وزارة الداخلية، وهو أبرز من تولاها قبل نصف قرن.

وما زلت أذكر تصريحه الشهير «أنا حاكم لبنان الإداري» الذي احتلّ مانشيتات الصحف. وهو فعلاً كان كذلك، إذ فرض هيبة الدولة في كل لبنان. وأذكر أن إحدى التظاهرات الحاشدة كانت تهدر في شارع بيروت الوطني الممتد بين البربير وساحة رياض الصلح، عندما شاهد قادة التظاهرة على بعد حوالي مئتي متر، كمال جنبلاط واقفاً وحيداً في وسط الشارع قبل ساحة رياض الصلح بقليل. فتوقفت التظاهرة، وساد هدوء وصمت تام، وفي ذلك الزمان كانت التظاهرات لا تكترث للحواجز الأمنية وحشود رجال الأمن. لكن رجلاً واحداً، من دون سلاح ولا حواجز ولا مؤازرة، كان كافياً أن يقف لتقف، لأن اسمه كمال جنبلاط.

أهل بيروت أحبّوا كمال جنبلاط وقيادته الوطنية ونزاهته الخلقية. كان يكفي أن يطلق فريد جبران شعار أنه مرشح كمال جنبلاط، لينتخبه الناس نائباً عن بيروت لأكثر من ثلاثة عقود.

لا أنسى العام 1975 المنظر أمام دار الفتوى في عائشة بكار، وأنا برفقته في سيارته المرسيدس الخضراء ذات الرقم 5888، وكنت المشارك والشاهد الدائم، وصلة الوصل في علاقته مع المفتي الشهيد حسن خالد، عندما حاول أهالي بيروت حمل سيارته بمن فيها، وهم يُطلقون الهتافات المحيية له. ولعل أهم أسباب هذه المحبة، صداقته المتينة مع جمال عبد الناصر.

أعتز أنني كنت مشاركاً شبه يومي في مجلسه السياسي، في منزله المجاور لفرن الحطب في المصيطبة. وكان يتصل بي هاتفياً أحياناً في الصباح الباكر، فأذهب إلى زيارته حوالي السابعة صباحاً، حيث يستقبلني أحياناً في غرفة نومه، ويكون الشيخ صالح، رفيق حواره الروحي، على وشك المغادرة.

أعتز أنه اختارني في نهاية الستينيات، وكنت في العشرينيات من عمري، بين بضعة بيروتيين ليزورني في منزلي في عين المريسة، وكان برفقته الزعيم شوكت شقير وإبراهيم قليلات، ليقول للرأي العام إن هؤلاء بالنسبة له هم رموز بيروت الوطنية.

وأعتز أيضاً أنني في السبعينيات كنت أرافقه في العديد من زياراته البيروتية، وأنه أحياناً كان يجلس بجانبي وحيداً وأنا أقود سيارتي، وهو بذلك يؤكد على الثقة الكبيرة التي شرّفني بها.

مع الشارع الذي يحمل اسمك في قلب العاصمة، أيّها الكبير الكبير، تحية محبة ووفاء من قلوب أبناء بيروت، الذي رفعوا معك وما يزالون، رايات العروبة.