IMLebanon

كمال… وليد… فتيمور

 

إستلمَ تيمور جنبلاط رسمياً مفتاحَ المختارة من والدِه بعدما درَّبه طويلاً، وأدخَله دهاليزَ السياسة اللبنانيّة التي لا تنتهي، وانتظرَ الوقتَ المناسب لهذه اللحظة التي وإنْ تأخَّرَت فقد دقَّت ساعتُها الآن.

لا تكمن الإشكالية الكبرى في ما إذا كان تيمور قادراً على مَلء المقعد النيابي في الشوف، أو سيَخسره، إنّما في قُدرته على الحفاظ على دور الدروز عموماً، والجنبلاطيين خصوصاً داخل وطن تتشلّع على أطرافه معاهدة سايكس- بيكو، وتتقاذفه براكين النار الملتهبة من المحيط إلى الخليج.

لم يتربَّع تيمور على إرث زعامةٍ غابَ نجمُها منذ نظام المتصرفية عام 1860 مثل جدّه كمال الذي عملَ على إعادة الدروز إلى اللعبة السياسية، بعدما كانت المارونية السياسية قد أكلت أخضر السياسة ويابسَها، وواجَه حينها عمالقة الموارنة مثل الرئيس كميل شمعون.

ولم يوضَع تيمور أمام الأمر الواقع مثل والده وليد، الذي فوجئ بارتدائه عرشَ الزعامة بعد استشهاد كمال عام 1977، وفي عزّ التقاتل الإقليمي والدولي وحرب الآخرين على أرض لبنان وحرب لبنان الذي خرجَ منها منتصراً.

فقد وضعَ كمال الحروفَ الدرزية على السَطر وأعطى الدروز دوراً أكبر من حجمهم العددي، من ثمّ أتى وليد ووضع النقاط على الحروف، وبات محرّكَ اللعبة الذي لا يهدأ، والأقلّية التي تصنع أكثريات، فمِن دونه لا أكثرية ثابتة، بينما هو المتحرّك الدائم.

لا يواجه تيمور التحدّي الكبير وحدَه، فطائفته تنتظر البصمة التي سيطبعها، واستقباله الوفود الشعبية في المختارة يَزيد من عبء الزعامة.

الجميع يترقّب ماذا سيكون عليه الموقف وهو المحاط برعاية والده وحزبه ونوّاب «اللقاء الديموقراطي». لا تكفي قصائد المديح والكلمات الجميلة التي ألقتها الوفود التي أمَّت المختارة السبت لتؤكّد أنّ تيمور سيَنجح في قيادة دروز المنطقة في هذه المرحلة المصيرية.

فهو سيَفوز بالتأكيد بالمقعد النيابي، لكنّ هذا أمرٌ عاديّ جدّاً، فالنائب طلال إرسلان حافظَ على مقعد والده المير مجيد إرسلان، لكنّه لم يحافظ على الزعامة الإرسلانية التي كانت هي الأولى عند الدروز والزعامة الجنبلاطية ثانيها، على رغم معرفة الجميع أنّ مقعد إرسلان الحالي تركَه له وليد جنبلاط.

من هذا المنطلق، فإنّ تيمور الذي ورثَ زعامةً درزيّة أحادية، يواجه إشكاليّة الحفاظ على طائفته. فالأوساط الدرزية تعرف جيّداً أنّ المعركة لم تعُد محصورة بين الموارنة والدروز، بل أصبحَت سنّية – شيعية، مع فرض «حزب الله» إيقاعَه على وطن الأرز وتقدّم السُنّة أكثر في الحكم، بعدما كان كمال يقودهم في بداية الحرب.

والتحَدّي الثاني حسب الأوساط، هو الحفاظ على وضعية الدروز في معقلِهم الأوّل، أي الشوف، خصوصاً بعد الزحف السنّي في إقليم الخروب والتراجع المسيحي ومحاولة دخول الشيعة على خطّ مركز الإمارة سابقاً.

يتّكل جنبلاط حاليّاً على حلفِه مع تيار «المستقبل»، فإذا فرَط عقدُه، وتحالف السُنّة مع المسيحيين، سيُصبح الدروز أقلّية في الشوف، مع العِلم أنّ قضاء الشوف الذي يأخذ الطابعَ الدرزي يضمّ 8 نوّاب، 4 مسيحيّين و2 سنّة و2 دروز فقط، ويبقى السؤال: هل يستطيع تيمور فتحَ علاقات جيّدة مع المسيحيين تُنسيهم مرحلةَ الحرب الأهليّة، ويحافظ في الوقت عينه على حلفِه مع السُنّة؟

أمّا التحدّي المناطقي الآخر، فيتمثل في قدرة تيمور على مدّ الجسور والتفاعل مع دروز بقيّة المناطق، والحفاظ على تمدّد الحزب التقدّمي الاشتراكي، فقد أعلنَ جنبلاط منذ عامين أنّه سيتخلّى عن رئاسة الحزب تماشياً مع الربيع العربي، لكنّ أيام هذا الربيع لم تكتمل، ولم يتخَلَّ جنبلاط عن رئاسته للحزب، فكيف سيتعامل تيمور مع «الإشتراكي»؟

وتبقى المهمّة الأصعب في قدرة تيمور على مخاطبة دروز سوريا الذين لم يردّوا على دعوات والده إلى الانخراط في الثورة السوريّة، وبالتالي إذا لم يستجيبوا لوالده العريق في الزعامة، فهل سيسيرون وراءَ تيمور الطريّ العود في الزعامة؟

أسئلة كثيرة تُطرَح في زمن التحوّلات الكبيرة، فهل سيَستطيع تيمور الدخولَ في لعبة الكبار كما والده وجدّه، أمّ أنّ الزمن تخطّى الأقلّيات وزعاماتهم، حيث سيكون قدر تيمور التقدّم في ظلّ والده وأمجاده التي بناها مستخدماً أسلوبَ «الثعلب السياسي»؟