IMLebanon

غزة تَشطُر “الديمقراطيِّين”… وهاريس تحاول جمعهم

 

 

 

مع انقسام مؤيّدي حزبها بين الديمقراطيِّين المؤيّدين لإسرائيل واليساريِّين الراديكاليِّين الداعمين للقضية الفلسطينية، تبحث نائبة الرئيس الأميركي ومرشحة الحزب كامالا هاريس عن وسيلة لتهدئة قضية كبيرة حتى ما بعد الانتخابات.

أنهت هاريس مؤتمر حزبها لترشيحها، بالتشديد على أنّها ستواصل تقريباً من حيث توقف الرئيس بايدن، أي بشأن بقضية الحرب الإسرائيلية على غزة، في محاولة قد تكون شبه إيجابية لأنّ مؤيّديها هتفوا لها طيلة المؤتمر عند حديثها عن حقوق الإنجاب ومهاجمتها للمرشح الجمهوري دونالد ترامب، لكنّ السكوت عمّ فجأةً عندما نطقت بعبارة: “بخصوص الحرب في غزة “.

 

واحتاجت هاريس لتكرار طلبها بأن تكون “واضحة”، بينما احتجّ المئات خارج قاعة المؤتمر مطالبين بقطع الولايات المتحدة لبيع الأسلحة إلى إسرائيل، وتشكيل الضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لوقف قصف الأحياء المكتظة بالسكان في جهده لقتل قادة حماس.

 

لكنّ هاريس عاكست الراديكاليِّين الشباب في حزبها، بتأكيدها “سأدافع دائماً عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لأنّ شعب إسرائيل يجب ألّا يواجه أبداً مرة أخرى الرعب الذي تسبّب فيه تنظيم إرهابي يُدعى حماس في 7 أكتوبر”. ولم تتوقف هاريس عن استفزاز قسم واسع من الديمقراطيِّين المعارضين لإسرائيل، عبر ترديدها اتهامات إلى بـ “العنف الجنسي الفظيع” ارتكبه مقاتلوا حماس في المهرجان الموسيقى صباح السبت 7 أوكتوبر 2023، لكن لم تتمكّن أيّة وسيلة إعلامية أو منظمة حكومية أو غير حكومية من تقديم أدلة بحدوث ذلك.

 

لكنّ نائبة الرئيس تداركت محاولتها للحافظ على شيء من التوازن، بحديثها عن “الأضرار المدمِّرة والأرواح البريئة التي فُقِدت” نتيجة الردّ الإسرائيلي، مضيفةً “إنّ حجم المعاناة مفجع”. لكنّها، مثل بايدن، لم تشر إلى أنّها ستستخدم نفوذ الدعم العسكري الأمريكي للضغط على إسرائيل لتغيير تكتيكاتها، إذا انتُخبت. كما لم تقدّم أي تلميح للتوتر في العلاقة مع نتنياهو، الذي شهدته بشكل مباشر، كمستمعة أو كمشاركة، في المكالمات الهاتفية المتوترة بينهما.

 

من جهة أخرى، رفض منظّمو المؤتمر طلباً من مجموعات مؤيّدة للفلسطينيِّين، بما في ذلك بعض المندوبين غير الملتزمين، للسماح لصوت مؤيّد للفلسطينيِّين بالتحدّث على المنصة، في محاولة منهم لتجنّب أي “شحن أو شغب” طيلة الأيام الـ 4 من الحشد الديمقراطي.

 

وتُدرك هاريس تماماً أنّ قضية غزة والاحتجاجات التي أثارتها في الجامعات، وضعت الإدارة بين جمهورين مرصوصي الصفوف وديمقراطيِّين مقسومين بين مؤيّد لإسرائيل وآخر داعم للقضية الفلسطينية. لذلك، لا تزال تبحث عن وسيلة لتهدئة القضية خلال الأشهر الثلاثة المقبلة وجمع أصوات حزبها لعلّها تهزم ترامب. فاعتمدت على نبرة حازمة للتعامل مع المحتجّين في الحزب، بدلاً من تغيير السياسة.

 

وتعتقد هاريس إنّ شرطَي الإفراج عن الرهائن وتحقيق وقف لإطلاق النار فقط، سيُمكّنا للفلسطينيِّين من “تحقيق حقهم في الكرامة والأمن والحرية وتقرير المصير”، من دون الإشارة إلى أي من التنازلات التي سيتعيّن على إسرائيل تقديمها في حال انتهت الحرب، وتمهيداً للحل الأساسي والأشمل، أي حل الدولتَين.

 

من جهة أخرى، يعتقد إيفو دالدر، الرئيس التنفيذي لمجلس شيكاغو للشؤون الخارجية وسفير الولايات المتحدة لدى الناتو في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، أنّ هناك عالماً أكبر يعيش أوضاع الدولية أشدّ تقلّباً من السابق، وأنّ الرئيس القادم سيتعيّن عليه إدارتها، “لكنّ هذه الانتخابات ليست كذلك، بسبب الطريقة التي أصبحت بها هاريس المرشحة. الأمر يتعلّق بالشباب، بالحيوية، بالغد وبالقلق الاقتصادي. والأيام القليلة الماضية عكست ذلك”.

 

تحديات حالية ومقبلة

 

كان أعظم إنجازات بايدن: جمع حلفاء الـ “ناتو” لإنقاذ أوكرانيا من الغزو الروسي، وهو ما ذُكر بشكل خجول من قِبل بايدن نفسه. لكنّ التحدّي الأكبر للإدارة الأميركية المقبلة، سيكون بمواجهة الإدارة الصينية التوسعية والمسلّحة بسرعة في طموحات تجاه تايوان، بالإضافة إلى اتجاه الأخيرة نحو الهيمنة في الذكاء الاصطناعي. بالنتيجة إنّ قضية السياسة الخارجية باتت الأكثر أهمية للمستقبل الاقتصادي الأميركي.

 

وهنا تَصعُب المهمة على كاهل هاريس في حال فوزها بالانتخابات ودخولها البيت الأبيض رئيسة، إذ إنّها ستُصبح القائدة الأعلى للقوات المسلحة، بينما تواجه اتهامات بالضعف والرعونة من قِبل ترامب. وينطلق الرئيس الجمهوري السابق باتهاماته من أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يكن ليغزو أوكرانيا لو كان لا يزال رئيساً لأنّه كان “يحترمه” كثيراً، واعداً بأنّه سينهي الحرب في أوكرانيا “في غضون 24 ساعة” من دون إيضاح كيفية حصول ذلك. أسوةً بادّعائه بأنّ حماس لم تكن لتجرؤ على مهاجمة إسرائيل لو كان هو لا يزال رئيساً.

 

بمواجهة دعاية الجمهوريِّين، وجدت هاريس نهجاً يزعم مستشاروها بأنّه سيجهز خلال 74 يوماً، ويرتكز على أنّ ترامب “أثبت أنّه دمية لبوتين وسهل التلاعب به بالإطراء والمجاملات من قبل الديكتاتوريِّين مثل الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون”. وألمحت إلى هذا النهج بقولها “إنّهم يعلمون أنّ ترامب لن يحاسب المستبدّين لأنّه يريد أن يصبح مستبداً بنفسه”.

 

وتدعّم هاريس في الشؤون الأمنية والعسكرية ببعض قدامى المؤسسة الأمنية القومية الديمقراطية، على رأسهم ليون بانيتا، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية ووزير الدفاع في عهد الرئيس أوباما، والذي شرح التحوّل الغريب في كيفية رؤية الحزبَين الرئيسيَّين لدور أمريكا في العالم. برأيه، عَدَلَ الجمهوريّون تحت قيادة ترامب عن آرائهم بالتدويل ومعارضة الاتحاد السوفيتي ثم روسيا. فيما أصبح الديمقراطيِّين متشدّدين تجاه روسيا إثر تدخّلها في انتخابات 2016 ثم غزوها لأوكرانيا قبل 30 شهراً، بعدما كانوا تقليدياً حزب الحماية وإنفاق الأموال في الداخل. وتشير استطلاعات الرأي اليوم إلى أنّ الديمقراطيِّين أكثر راحة بفكرة تدخّل الولايات المتحدة في العالم دفاعاً عن الديمقراطية مقارنة بالجمهوريِّين الجدد من حركة MAGA.