أنشأ “عامل” تحت عنوان “كرامة الإنسان أوّلاً”
إسمه على اسم كامل بك (الأسعد) لكنه ابن فلاحين، إبن بيت مهنا في بلدة الخيام الجنوبيّة، التي كسرت قاعدة أن التعليم لناسٍ وناس وأنجبت مهندساً وطبيبَين وأستاذاً ومصرفياً وقاضياً. ولأن ابن الأرض لا ينسى ناسه بنى مؤسسة باسم الإنسان «عامل» حلّقت معه إلى العالم وبقي لبنان النواة. هو صديق فلاسفة ورؤساء وعلماء وأطباء وعمال وفلاحين وناس آمنوا دائما بكرامة الإنسان. هو أب المؤسسة التي زارها إيمانويل ماكرون وكثيرون لكنه رفض أن يتبع أحداً فحلّق بجناحَي كرامة الإنسان في لبنان وكل المعمورة. وهو والد بشار إبنه الذي نجح بعمر الإثني عشر عاماً بعملِهِ الإنساني ومات وهو يُنجد زملاء له في رحلة إلى ثلوج لبنان ورثاه قائلاً: «أنت نجحت إنسانياً يا بنيّ من أوّل مرّة». إنه الرجل الذي لم يتبوأ منصب وزير أو نائب لكنه أصبح عنواناً للإنسانية في لبنان. لقاءٌ مع رئيس مؤسسة «عامل» الدولية ومنسق عام تجمع الهيئات الأهلية اللبنانية والعربية كامل مهنا.
هو العامل بصمت مؤمن أن صوت الاعمال أقوى من صوت الكلام. يتحدث عن نضاله في سبيل الإنسان بخفر لكنه حين يُسأل عن «عامل» يجيب: «لن اكون متواضعاً في إجابتي فقد أنشأت مؤسسة محترمة جداً لبنانياً وعربياً ودولياً». هو «العتال لتلك المؤسسة يحملها منذ خمسة وأربعين عاماً على منكبيه ويأبى أن يتعثر». يُكرر في كلامه مرات ومرات إسم جورج قرم «الصديق والأخ» وهو الذي يعرف أن «الصداقة هي الروح التي لا تموت وهي الرفيق الذي لا يخذل».
صورة ولده البكر معلقة فوق مكتبه. يتحدث عنه بابتسامة، وكأنه حيّ. إنه حيّ فيه ومعه، يزوره في قبره أسبوعياً. يُخبره عن حالِهِ ويستمد منه قوّة المثابرة في العطاء. فما حكاية الطفل بشار؟ يجيب: «انطلق في العام 1992 في رحلة مدرسية الى الثلج في فقرا وانقطعت الكهرباء، فأشعل زميلان له في غرفة ثانية شمعة واندلعت النيران، فاقتحمها مع زميل رابع لنجدة الزميلين فمات الأربعة». يختنق صوت كامل مهنا وهو يخبر ذلك لكنه يصرّ على رسم ابتسامة ندرك معها ان البسمة ليست دائماً دليلاً على السعادة. ويتابع: «أخبروني بما حصل فأرسلت سيارات إسعاف وهرولت وراءها. بقيت متماسكاً لكنني بقيت بعد ذلك أتناول أدوية طوال أعوام. لذا أنصح من يعيش حالتي بالتعبير. إختنق إبني. قالوا لي في البداية إحترقت جثته. هي حرقة قلب لا توصف. لكن حين رأيت جثته ووجهه كما الملاك إرتحت. ولم أقل كلمة. وحتى استقبلتُ مدير المدرسة في جنازته علماً أن هناك من طلب منه إرجاء الرحلة بسبب ظروف الطقس القاسية في حينه. ورفضت رفع أي دعوى فالغالي رحل. هو الأساس. وقلت الى جميع من نصحني بفعل العكس: أنا أفتح مدرسة ولا أغلق مدرسة. خسارة طفل (أو طفلة) لا يتحمله عقل لهذا درست الدين ودخلت في حالة إيمانية وأقنعت نفسي أن الله يعطي والله يأخذ. هذه هي الحياة».
الحياة دمعتان: دمعة لقاء ودمعة وداع، لكن لا بُدّ من لقاءٍ بعد فراق. فمن يفقد ثروة يفقد كثيراً ومن يفقد صديقاً يفقد أكثر، ومن يفقد الشجاعة والمحبة يفقد كل شيء. وهو أبى أن يفقد المحبة فعاش بها دائماً.
الخيام
هو من بلدة الخيام، من عائلة متواضعة، عائلة فلاحين «كنا أحد عشر ولداً، ستة شباب وخمس بنات، ووالدتي مريم حملت ست عشرة مرة. والدي إسمه أسعد. وعشنا في بيئة لم يكن التعليم فيها تقليداً في بيوت الفلاحين. نحن لم نكن نعرف بيروت بل كنا أكثر إنفتاحاً على سوريا وفلسطين. لكن والدي أصرّ أن نتعلم. كان يعمل ويشتري أراضي وكان موقعي بين الاولاد عاشراً. أرسل شقيقي الأكبر محمد الى مدرسة الحكمة ليتابع تعليمه. ودرس مع الياس الهراوي وكامل الأسعد في نفس الصف. وشقيقي الثاني أحمد دبروا له منحة فانزعج أحمد الأسعد (والد كامل الأسعد) وقطعها عنه ويتابع: «درس كامل الاسعد المحاماة وشقيقي الطب وذات يوم أرسل شقيقي رسالة الى كامل الأسعد بدأها بعبارة: أخي كامل. وقعت الرسالة بين يدي أحمد الأسعد فقال: حين يتعلم أولاد الفلاحين يرفعون الكلفة». يضحك لذلك.
تعلم الصبيان. محمد أصبح طبيباً. أحمد قاضياً. أمير أستاذاً ثانوياً، عزيز مهندساً. هو طبيب أطفال وعصام مدير بنك. تعلم كامل مهنا في مدارس رسمية في الخيام ويقول: «كنت بارعاً في الحساب والفيزياء وساعدت شقيقي الطبيب في تضميد الجراح. أحببتُ الطب وقررت أن أصبح مثله طبيباً. ويومها لم يكن يملك والدي المقدرة على تعليمي فقال لي ولإخوتي: أجلسوا معاً وقرروا ماذا ستفعلون. جلسنا وتباحثنا وبقي هو يراقبنا على المصطبة. لم نتفق. أخبرته ذلك فقال لي حاسماً الموضوع: إذهب واشترِ ست بزّات وستة أزواج أحذية واستعد للسفر. ستصبح طبيباً. باع قطعة ارض وأرسلني الى فرنسا».
العلم والنضال
ركب كامل مهنا الباخرة وغادر الى غرونوبل للدراسة ويقول: «إنزعج الإقطاع من دورنا وهجموا علينا بالسكاكين والفؤوس. واتذكر يوم شتم أحد الإقطاعيين والدتي مريم أمامي. هذه الأمور لا تغيب عن ذاكرتي وهي التي أسّست لحياتي كلها مع الناس والعمال والفقراء والمساكين لاحقاً. ويستطرد: يوم ذهبت في البحر تعرفت على شاب سوري إسمه جان حاتم فاتفقنا أن نذهب الى مدينة ليون الفرنسية للدراسة. إستأجرنا غرفة مشتركة وتسجلنا في الطب. لكني عدت وقلت له: أنا لا أهوى العيش في المدن الكبيرة فما رأيك أن نختار مدينة أصغر. كتبنا على قصاصات ورقية أسماء ثلاث مدن وسحبنا بالقرعة إسم غرونوبل. وهكذا إنتقلنا إليها. وهناك أنشأنا رابطة للطلبة اللبنانيين. وهناك تعرفت على فتاة أجنبية إسمها بريجيت ديلبيك وعشت غراماً أفلاطونياً لكنني قلت لنفسي: أرسلني والدي الى فرنسا لأتعلم لا لأتزوج فافترقنا. فانتقلت الى مدينة تور الفرنسية. وأصبحت مسؤول اللجنة الثقافية في رابطة الطلاب وشكلتُ فرقة دبكة وعلمتها للفرنسيين. كنت نشيطاً. وفي سنتي الجامعية الثانية أصبحت أمين عام الرابطة. ويومها قررنا إنشاء الإتحاد العام للطلبة في فرنسا فانتخبت أمين عام الإتحاد العام. بدأ وعيي السياسي يزداد. وفي العام 1968 ضربت إسرائيل ثلاث عشرة طائرة في مطار بيروت وطائرة شحن. وكان شارل ديغول رئيساً لفرنسا فكتبت له باسم الإتحاد العام للطلبة بأن يأخذ موقفاً مع لبنان واحتلينا السفارة ( اللبنانية). قبلها، يوم كنت في الثانوية في لبنان أقفلتها أيضا تضامناً مع الجزائريين. ويتابع ذكرياته: يوم احتلينا السفارة كان فيليب تقلا سفيراً فطلب مني أن يقول أننا بقينا فيها 24 ساعة وعلى أن نغادر فوراً فرفضت ذلك».
وكرّت سبحة إعتراض الطلاب اللبنانيين «في 23 نيسان عام 1969 أطلقت النيران على تظاهرة جرت على البربير دعماً للقضية الفلسطينية فاحتلينا السفارة اللبنانية والقنصلية في مرسيليا. كان يجري التحقيق معي أسبوعياً. وكنت متأثراً بالفكر اليساري الجديد. إستدعتني السلطات الفرنسية وصدر قرار طردي من فرنسا لأنهم كما قالوا أشكّل خطراً على فرنسا. رفضت المغادرة وقلت لهم: أنا أشتغل سلمياً لبلادي. كنت يومها في سنتي الطب السادسة فاعترض عميد الجامعة على القرار ومددوا السماح ببقائي الى حين انتهائي من إمتحاناتي. وأتذكر ان الطبيب ألبير جوخدار كان نائبي يومها وهو اليوم نائبي في مؤسسة عامل. وعرض علي السفير الجزائري في فرنسا آنذاك منحة كي أتابع دراستي في الجزائر. رفضتها وصدرت عريضة وقعها كثيرون بينهم الفيلسوف جان بول سارتر وألغي القرار».
يتذكر كامل مهنا انه قال لإخوته بألا يخبروا والده الذي أصيب بالقلب مما يحصل معه فأخبروه أنه علم وفخور به.
ويوم عاد الى لبنان بعد أن أنهى إختصاصه أقيم له احتفال كبير. لكنه عاد الى فرنسا فطلبت منه السلطات توقيع عدم تدخله في السياسة الفرنسية فأجاب: الجنرال شارل ديغول يقول إن لنا الحق في التدخل في سياسة بلادنا فألغوا العقد معه. قدم إمتحاناً الى السفارة الكندية فنجح ليُصبح جراحاً لكنه قال لنفسه: إذا ذهبت الى هناك فكيف سأعمل مع الناس؟ وقرر في حينه أن يصبح طبيب أطفال. سافر الى غوفار في اليمن وخدم هناك ستة أشهر كانت حافلة بالمشقات لكنها زاخرة بالإنسانية. وتلك المرحلة ستكون قريباً – كما حكي – عملاً وثائقياً مع المخرج العالمي كوستا غافراس الذي أنتج فيلم «زاد».
أحداث عام 1967 رسمت كل حياته. وآمن منذ ذاك الحين أن القوة يجب أن تكون للحق في حين أن الحقّ كان دائما للقوة. عمل في المخيمات الفلسطينية في لبنان. ونجح في إيجاد توازن بين القول والفعل لا كما يفعل العرب الذين يحكون كثيراً ويفعلون قليلاً. ننظر في أرجاء مكتبه البسيط فنقرأ شعارات معلقة في كل مكان بينها: «لا أريد شيئاً من أحد ولا أتوقع شيئاً من أحد». و»السلطة حيث تؤثر ليس حيث تأمر». و»أكثر أوقات الليل ظلاماً هي آخر دقيقة قبل شروق الشمس». آمن دائماً، في كل الظروف، أن الشمس لا بُدّ أن تبزغ من جديد.
العودة إلى لبنان
في العام 1973، بعد عشرة اعوام في الغربة، عاد الى لبنانه وجنوبه. هي مسيرة إنطلقت من الجنوب الى فرنسا الى غوفار (اليمن) الى الجنوب ولبنان. ويقول: «عملت في المناطق الشعبية. علمت في الجامعة. وأول مشروع صحي فكرتُ به كان في منطقتي الخيام «فمن لا خير فيه لأهله لا خير فيه للناس». وعاد وأنشأ مركزا صحياً في راشيا الفخار.
أراد أن ينتقم من المعاناة التي عاشها في صغره فأصبح إنساناً يثق بوجوب توفير كرامة لكل إنسان. تعرف الى شخصيات كثيرة بينها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، و«صديقه كوشنير» (برنار كوشنير وزير خارجية فرنسا سابقاً ومؤسس أطباء بلا حدود) ويقول: «تعرفتُ اليه في مخيم النبع عبر الإمام موسى الصدر وفؤاد البستاني (نقيب الأطباء في لبنان سابقاً). اصبحنا أصدقاء وإن كنا لا نتفق في السياسة. وذات يوم قال لي: الوضع خطير يا كامل ويجب أن نغادر. رفضت ذلك. وابنه أتى وتطوع لاحقا لشهر كامل في مؤسسة عامل. وهنا يتابع مازحاً: هناك صبية جزائرية إكتشفت أن الأطباء بلا حدود يتكلمون عن بطولاتهم. هم مكثوا شهرين فقط في بيروت وغادروا أما أنا فبقيت. كتب عنهم الكثير أما انا فذكر سطراً واحداً باسمي كامل (بلا الكنية). إنها الإزدواجية في المعايير التي تلاحقنا».
تأسيس «عامل»
في البداية، أسّس النجدة الإجتماعية وسكن في الدامور ويقول «عام 1979 قررتُ تأسيس حركة إنسانية في إطار الحركة الوطنية. جلست مع صديقي طلال (طلال سلمان) واخترنا معا إسم «عامل». ويومها روى لي عن النيل الذي هو مثل الحياة، تقع فيه سفن ونفايات وبشر لكنه يستمر في الجريان. هكذا هي الحياة. وعامل يجب أن تكون سنداً فيها. وهي انطلقت فعليا عام 1982 أثناء الحصار الإسرائيلي الثاني. أنشأنا ثلاثة مستشفيات تحت الارض و27 مركزاً وزودنا المؤسسة بأكثر من 27 سيارة إسعاف. وكان كوشنير قد أصبح وزيراً فأرسلت 1200 جريح الى الخارج وركبنا أطرافاً إصطناعية مع الحكومة الهولندية الى كثيرين» ويستطرد بالقول: «على الرغم من حالة «الإخوة- الاعداء» (خلال الحرب الأهلية) التي طغت في لبنان لم يقترب أحد من عامل التي رفعت دائماً شعار تعزيز إنسانيّة الإنسان بمعزل عن خياراته. فنحن لم نختر لا الدين ولا الإسم ولا الجنسية. نحن ورثنا كل ذلك. كبرت عامل وهناك الآن ست عيادات نقالة، وهناك 1500 متفرغ. بلدنا مليء بالعقول ولدينا طاقات بشرية ونؤمن بلبنان الرسالة الذي تكلم عنه قداسة البابا يوحنا بولس الثاني».
زمن الميلاد
نحن اليوم في موسم الميلاد. الميلاد محبة. و»عامل» عاشت الإنفتاح والمحبة منذ أنشئت. في منطقة الخيام أربع كنائس وكامل مهنا (الشيعي بالهوية) كان يشارك في القداديس. ويوم راح يُنشئ مراكز المؤسسة أراد أن يعطيها البعد الوطني. أسّس ثلاثة مراكز على ما كان يسمى خطوط تماس بين عين الرمانة والشياح. وأسّس مركزاً في عرسال وفي كامد اللوز وفي وفي… ويقول: «يوم فُجّرت بيروت وأصيب أهلنا المسيحيون حشدنا خدماتنا هناك. الإنسان هو الهدف والمحرك لنا. خياراتنا وقيَمنا هي التفكير الإيجابي والتفاعل المستمر. نحن نمارس الثلاث ميمات: مبدأ، موقف، ممارسة. والثلاث نينات: نفكر، نقول، نعمل. مثلا، أخبرونا كثيراً عن الكهرباء الآتية ولا كهرباء. هدفنا توثيق العلاقة مع الأصدقاء وتحويل المحايدين الى أصدقاء وتحييد الخصوم. عملنا دائماً تحت شعار التضامن لا الشفقة. ونثق أن أي عمل إنساني لا يكون في المناطق الشعبية ليس إنسانياً. نحن مع دولة العدالة الإجتماعية. نحن نعمل كمؤسسات إنسانية ونستخدم هذه التسمية لا تسمية المجتمع المدني. لبنان الأغنى في المؤسسات الإنسانية. لدينا 860 مستوصفاً ومركزاً صحياً في لبنان. وعامل تقدم النموذج بينها».
يتحدث عن «عامل» بحبّ. لبنان بحاجة الى مؤسسات تعمل من أجله. اللبنانيون يعيشون ويلات لا تنتهي. لكن، بماذا تحتلف «عامل» عن سواها من المؤسسات التي تعمل تحت مسمى المجتمع المدني و NGO؟ ثمة كلام كثير عن مساعدات تأتي وتختفي؟ يقاطعنا بالقول: «نحن جمعية مدنية غير طائفية». لكن، هناك جمعيات أخرى كثيرة تقول ذلك؟ يجيب: «نحن مشروع يعمل على المحافظة على كرامة الإنسان». ومن أين التمويل؟ «كنا نأخذ مساهمات رمزية من الناس كخدمات. ونقيم حفلات عشاء (Gala Dinner) ولا نقبل مساعدات مالية من ايٍّ كان. لا نقبل إلا من مدخل الندية، كشركاء لا أوصياء». يتكلم بسرعة وكأنه يريد ان لا ينسى شيئاً: «عامل أصبحت دولية. هي أول مؤسسة مع الفئات الضعيفة تذهب من الشرق الى الغرب. نحن اليوم في فرنسا وسويسرا وبلجيكا وإيطاليا وأميركا وكولومبيا وغواتيمالا. ونحن مرشحون للمرة الثامنة الى جائزة نوبل. نحن نشتغل صحة لا طبّاً».
نعود الى سؤالنا: كم هناك اليوم مؤسسسات تعمل تحت مسمى المجتمع المدنى وتغلّب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة؟ يجيب: «من يقدم النموذج ليست مهمته أن يحاكم الآخرين». لا يريد الرجل أن يدخل في متاهات عمل المجتمع المدني. هو من القائلين ان «كلمة بتجنن وكلمة بتحنن».
هو منسق عام تجمع الهيئات الأهلية اللبنانية والعربية ويقول: «يسمونني الجامع».
الجامع، الذي قدّم نموذجاً يقتدى به في المؤسسات الإنسانية ألم يبالِ بالسياسة؟ يجيب: «في العام 1992 رُشحت الى المجلس النيابي من الصحافيين. هناك من رشحني في بيروت وهنالك من رشحني في الجنوب. لكني إنسحبت ولم أشارك. في العام 1996 نزلت وحيداً في الجنوب. جمع لي أصدقائي 35 ألف دولار وأقمت 400 لقاء شعبي وحصدت 16 ألف صوت. ومنذ ذاك الحين قررت ألا أترشح مجدداً». هل معنى ذلك أنه لم يجد له مكاناً في ظل وجود الصوت الشيعي الواحد (والثنائي في التسمية)؟ يجيب لكن بشكلٍ غير مباشر: «هذا البلد له نظام معيّن ومركّب. صديقي مصطفى حجازي تكلم عن مجتمع البرهان والعرفان؟ البرهان معناه أن ينجح الإنسان الذي يملك شهادة ويجتهد. أما هنا، فالأهم هو الولاء لا الأداء. كان نصري معلوف رحمه الله يقول: بدك تستقوي إستغني. والشعار الذي أضعه دلالة: لا أريد شيئاً من احد».
هل كامل مهنا سعيد اليوم بعد كل ما أنجزه؟ هل إبتسامته حقيقية وهو من يحاكي يومياً المعذب والموجوع والمريض؟ يجيب: «أنا فخور» ويستطرد: «قال لي دبلوماسي أوروبي: لا تعش يا كامل مآسي الناس… هذا خطأ تقترفه. أنا اعرف ذلك، لكنني لا أنجح غالباً بذلك».
العيلة الصغيرة
تزوج من إبنة الخيام فايدة التي تعلّم مادة التنشئة الوطنية في المدرسة التي كان فيها إبنه بشار. هو يسميها القديسة ويقول: «لدينا أربعة أولاد: زينة، أستاذة في الجامعة الأميركية وناشطة في «عامل. وطالما قلت لها: يكفي بيتنا شهيداً واحداً للعمل الإنساني. ولدينا أيضا أسعد وهو مهندس ميكانيكي في هيوستن، ومريم موجودة في دبي، ونور وهي تعدّ ابحاثاً تنشر على الصفحات الأولى» (يقول ذلك أيضا بفخر).
كرر تسمية أصدقائه مرات في معرض الحديث. بعضهم رحل ويمضي مع من تبقى منهم بقية العمر وبينهم: طلال سلمان وابراهيم بيضون وجورج قرم وبرنار كوشنير وآخرون… ويتذكر ضاحكاً ما قاله له كوشنير: ما في غيرك بيشتغل بلبنان؟
لديه أربعة أحفاد: كامل جونيور وسيانا وجود وياسمين. ويقول: «الأحفاد هم الفرح الأكبر اليوم». تقدم له مساعدته كوب كمون. هو يهتم بصحته. هو طبيب. يعيش ببساطة، ويهتم بالرياضة. كان يلعب كاراتيه وبوكس. ويقول: «الرياضة تمنحني الصبر، فإذا ضربني أحدهم لا أرد. أي مشكل يحتاج الى اثنين.