هل هناك من يريد تدمير الأحزاب السيادية في البلد؟
كم نصادف في لقاءاتنا من يتباهى بالقول “أنا شمعوني الهوى” وكم غمر الفرح ثواراً، بعيد ثورة أرزٍ بُترت، وهم يسمعون “الريّس دوري” يتكلم ويدلّ بلا فذلكات ولا رمادية عن محتلّ وفاسد ومختلّ. الريّس دوري الذي استلم الحزب التاريخي “الوطنيين الأحرار” حشرته صراحته في “بيت اليكّ” فتخلّى عنه الأقربون قبل الأبعدين. وها هناك من يتكلم اليوم، في أصعب مرحلة من تاريخ لبنان عن تغيير سيطال هذا الحزب، بسعي من قلب الحزب، بعدما قارب رئيسه سن التسعين. فهل سيخرج حزب الوطنيين الأحرار من عباءة الشمعونية العائلية؟
كل شيء يتغيّر. ولبنان يكاد لا يشبه لبنان. والأحزاب التاريخية تتهاوى تحت حجج مختلفة حتى وصل الموسى الى ذقن البيت الشمعوني. وكأن هناك من يريد أن يأخذ الحزب الى مكان آخر بحجة إخراجه من أحادية حكم الرئيس وإعادته الى “الشمعونية السياسية”. في الشكل الجميع لا يحبون “الديكتاتورية الحزبية” ولكن هل السعي يتم بشكله الصحيح؟ وماذا حين تصدح أصوات تجعل من فريد هيكل الخازن جسر العبور؟
النائب الكسرواني فريد هيكل الخازن، الذي لا يجيب أبداً على هاتفه تاركاً “نمور الأحرار” الذين يعتبرونه حجر التغيير الأساس يتكلمون نيابة عنه، لا يُشبه بأدائه السياسي روحية الشمعونية السياسية حتى ولو كان خارجاً من رحم بيت له باع طويل مع حزب الوطنيين الأحرار، فوالده هيكل كان مفوض الحزب في كسروان وعمه رشيد كان “وطني أحرار” و”هو حصل عام 2003، بحسب الإبن كميل دوري شمعون، على بطاقته الحزبية ولم يجددها يوماً ولم يشارك في أي اجتماع حزبي، وترشح في الانتخابات النيابية الأخيرة على لائحة النائب سليمان فرنجية وليس إلا”.
ماذا عدا ما بدا ليعوم اسم فريد هيكل الخازن كمنجدٍ لحزب عمره من عمر لبنان؟
النائب الكسرواني برز اسمه، منذ أكثر من عام، في لقاءات يجريها معارضون لحزب الوطنيين الأحرار، حيث أقام لهم مأدبة عشاء، سبقتها وتلتها اجتماعات وتنسيقات تكرست أخيراً في قطع هؤلاء درب الانتخابات الحزبية التي ترشح لها ابن الريّس دوري كميل دوري شمعون. هؤلاء المعارضون الذين قبلوا ذات يوم بأن يحصر رئيس الحزب كل الصلاحيات في يده اعتبروا أن الانتخابات كي تحصل يجب أن تسبقها إعادة تنظيم داخلية توزع فيها الصلاحيات من جديد. لهؤلاء في الشكل كل الحق لكن ماذا عن المضمون والملحقات؟
عارفٌ في فحوى الأمور واتجاهاتها، يتحدث عن “جمود” طال الحزب من زمان، دفع غالبية المحازبين الى عدم التدخل فيه، وانسحاب الكثيرين منه والتحاقهم في أحزاب أخرى نال منهم التيار الوطني الحر حصة الأسد. خللٌ في إدارة حزب الوطنيين الأحرار “جمّد” إذاً تطوّر الحزب التاريخي. فما تعليق المرشح اليوم الى رئاسة الحزب كميل دوري شمعون؟ يجيب: “ننتظر قرار المحكمة في خصوص مجموعة قوامها بضعة اشخاص قدموا الطعن في الانتخابات وعلى ضوء هذا القرار سنجري الانتخابات قبيل آخر السنة” ويستطرد “أي طرح كان يفترض تقديمه داخل الجمعية العمومية بدل رمي التهم “على الهواء” من دون إثباتات. نحن طالبنا الجميع بتجديد انتسابهم وتحضير اوراق ترشيحهم لكنهم اختاروا القضاء من دون تجديد بطاقاتهم. ومشكلتنا بالتالي مع هؤلاء ليست شخصية بل نحن نتعاطى معهم بديموقراطية، لأننا كحزب إذا لم نتعاطَ في شكل ديموقراطي فلا سبب لوجودنا”. لكن المعترضين وبينهم أرنست بعقليني قالوا إن الحزب منع “معارضين” من الترشح بينهم ريمون مرهج؟ يجيب كميل دوري شمعون “اعترضنا على مرهج أمين الداخلية في حزب الوطنيين الأحرار وهو بالتالي مشرف على العملية الانتخابية لذا لا يحق له ان يكون مشرفاً ومرشحاً. ثمة تناقض اخلاقي في ذلك. فلا يمكن ان يكون الانسان لاعباً وحكماً في آن واحد، لكنه أصرّ وقدم شكوى ربحناها”.
فشل حزب الوطنيين الأحرار في لعب دوره كاملاً ما دفع الكثيرين من محازبيه الى التطلع يميناً ويساراً عن مكان يجدون أنفسهم فيه. وهذا واضح تماماً من اندثار دور الحزب سياسياً ووطنياً. لكن، هل يسمح هذا بجعل الحزب مطية لشخصيات لا تشبهه؟ أرنست بعقليني وجوزف كرم، المعارضان، يدافعان عن تاريخية بيت الخازن في ولائهم لحزب الوطنيين الأحرار غير أن حراكهم في اتجاه فريد هيكل الخازن هو “السد المنيع”؟ هناك، في بيت الوطنيين الأحرار، يجزمون بأن المعترضين على الانتخابات قلة والكلام عن إعادة روحية “الشمعونية” الى الحزب مع هؤلاء غير صحيح أبداً “بدليل أن تقوقع الشيخ فريد السياسي معروف، وعمه من قبله ربطته صلات بسوريا التي ساهمت بإيصاله الى الندوة البرلمانية حتى كادت العائلة تقطع شعرة معاوية بينها وبين تاريخية الحزب. والشيخ فريد الذي ورث المقعد النيابي، واصبح نائباً ووزيراً، لم يستطع استيعاب القاعدة، وها هو اليوم يبحث عن قاعدة جديدة. ووصوله الى مبتغاه معناه أخذ حزب الوطنيين الأحرار الى مكان مختلف، كونه على علاقات وطيدة مع سوريا في حين ان حزب الوطنيين الاحرار كان رأس حربة في حرب المئة يوم وعارض، بالروح والدم، التدخل السوري. لذا لن يشعر من تبقى في حزب الوطنيين الأحرار بالأمان معه فهو يشتري ويبيع”.
نعاود الاتصال بالشيخ فريد لكنه لا يجيب. فما رأي كميل دوري شمعون في المشكلات التي يرفعها المعارضون اليوم في وجه الحزب ويحصلون فيها على دعم فريد هيكل الخازن؟ وهل قبض رئيس الحزب على كامل الصلاحيات، كما “الديكتاتور”؟ يجيب “إذا شعر محازب بغبن و”مش عاجبو” فليرحل الى حزب آخر. القانون واضح. وأريد هنا أن أفشي سراً، هؤلاء طلبوا مني ان انتفض على الريّس دوري، وهو أمر لم ولن يحصل. قلتُ لهم يا جماعة تريدون تغييراً فها نحن قادمون على انتخابات ومن خلالها يمكنكم اجراء اي تعديل ترونه مناسباً ومحقاً لكنهم فضلوا الطعن في الانتخابات بديلاً. والغريب ان هؤلاء ترشحوا وطعنوا في الانتخابات”.
هل نفهم من هذا ان هناك من يريد اقتناص الفرصة اليوم للإنقضاض كلياً على روحية حزب الوطنيين الأحرار؟ يجيب كميل شمعون “ما نعرفه ان الشيخ فريد تابع لمحور معيّن لا نتفق معه ابداً في السياسة، وهذا يولّد لدينا شكوكاً من حراك هذه الجماعة ومن يحرضهم ومن يتبنى قضيتهم. أعتقد ان هناك من يريد تدمير الأحزاب السيادية في البلد ومن جملتها حزب الوطنيين الأحرار”.
هناك ربما من يريد تدمير الأحزاب السيادية لكن أليست رئاسة حزب الوطنيين الأحرار من تتحمل الجزء الأكبر من جعل الحزب وكأنه صفر على الشمال؟ أليست رئاسة الحزب من أفرغته من المحازبين؟
يرمي كميل دوري شمعون مسؤولية ما آل إليه حزب الوطنيين الأحرار على إصراره على عدم تقديم التنازلات أيام السوريين. لكن سوريا خرجت من لبنان منذ 15 عاماً؟ يجيب “الضغوطات الممنهجة لم تتوقف من خلال عملاء سوريا في لبنان الذين ما زالوا موجودين وفاعلين”. وماذا عن عدد المحازبين قبل واليوم؟ يقول “كانوا أكثر من 20 ألفاً يحملون بطاقات أما اليوم فتدنى عدد من يحملون بطاقات عن الألف. وهناك من حاول سرقة مجد الحزب ومحازبيه حتى الإسم “حزب الوطنيين الأحرار” سُرق من “التيار الوطني الحرّ”. كثير من محازبينا صدقوا مقولة الإصلاح والتغيير لكنهم اليوم يرتدون”.
مقرّب من الحزب والمحازبين يقرأ بدوره في أسباب مغادرة المحازبين ويقول “دوري شمعون رجل مواقف لكنه يفتقر للديبلوماسية و”فجّ” مع المحازبين، وهو لا يتورع عن طرد محازب يعتبره قد أخطأ، بعكس والده الرئيس شمعون الذي كان يفقه السياسة والديبلوماسية في العمق” ويتذكر “الرئيس شمعون عاشر الملوك والرؤساء ولم يرتهن الى أحد، وهو بطل لا يتكرر، وكان يتكلم مع حافظ الأسد “من فوق”، وأتذكر جيداً يوم زار الأردن عام 1977 ونصحه الملك حسين بأن يعرّج على سوريا وهو عائد الى لبنان. عاد الى سوريا وتحديداً الى صالون الشرف في مزة حيث كان يفترض ان يتم اللقاء. وهناك أتى عبد الحليم خدام وقال له: اضطر الرئيس الأسد الى الانتقال الى اللاذقية وهناك طائرة تنتظر لتقلك الى هناك. فأجابه الرئيس شمعون: سأنتظره هنا نصف ساعة وأغادر بعدها الى لبنان. وقبل ان يمر الوقت المحدد كان حافظ الأسد قد عاد الى مزة. الريّس دوري صاحب مواقف بدوره لكنه “فجّ”.
نعود الى كميل دوري شمعون لسؤاله عن مصير حزب الوطنيين الأحرار اذا استمرّ بخسارة محازبيه؟ هل سينتقل ذات يوم من آل شمعون كما انتقلت الكتلة الوطنية من آل اده؟ يجيب “بيار عيسى صديقنا لكنه اشترى الآرمة لا الرصيد الكتلاوي الذي لا يعتبر ان الادارة الجديدة تمثله. اما بالنسبة إلينا فالشيخ فريد يرتبط جهاراً بالمحور الذي يسمي نفسه الممانعة وهو مستعد الى ضخّ مليوني دولار للإستيلاء على الحزب الذي اذا خسر القاعدة الشمعونية فسيؤول الى الزوال. نحن رصيدنا الشارع الشمعوني. وما سنسعى إليه هو “لم الشمل” على ان نستغني عن التفاحة العفنة التي ستؤثر سلباً على غيرها. فلن نسمح بإدخال السوس الى بيتنا”.
ماذا عن “نمور الأحرار” الذين يعارضون قيادة الحزب ويعدون مقربين من رئيس التيار الوطني الحر ميشال عون؟ يرفض جان عيد الذي هو من سعى مع آخرين الى اخذ العلم والخبر لإنشاء نمور الأحرار، الدخول في متاهات من يعترضون اليوم على انتخابات حزب الوطنيين الأحرار ويقول “نحن جزء لا يتجزأ من الحزب لكن مع اختلاف اداري، وليس خلافاً، في وجهات النظر. نحن نعترف برئاسة الريّس دوري اما من يعترضون اليوم فهم “قرطة” لم يجدوا انفسهم في الحزب ولهم أسلوبهم.
بيت حزب الوطنيين الأحرار أمام مفترق طريق في لحظة مصيرية كبرى في لبنان. وعند المفترقات يخسر من يفقد السيطرة على أدائه. فلننتظر ما سيؤول إليه مفترق الحزب الشمعوني التاريخي.