عناوين كبيرة تحملها «الجبهة السيادية من أجل لبنان»، وفي طليعتها عناوين وثوابت البطريركية المارونية بشأن حياد لبنان والمؤتمر الدولي. دعماً لرسالة بكركي أُنشئت الجبهة، وبمباركة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي انطلقت، فهل تكون تحديثاً للجبهة اللبنانية أم لقاء قرنة شهوان جديد؟
منذ نشوء حركة 14 آذار 2005، لم يحصد اللبنانيون من قادتهم وزعمائهم إلا الخيبات. فالحركة الواعدة التي أمل اللبنانيون بها خيراً، خضعَت، وساوَمت، واستسلمت، فانهارت، علماً انها كانت الإطار الأصلح لحل الأزمة اللبنانية.
اليوم، بعد نحو 16 عاماً على حركة 14 آذار، وفي تَوق لبناني كبير لنشوء جبهة موحّدة، عابرة للطوائف والأحزاب، تخوض معركة الاستقلال والسيادة والحرية من جديد، وتقودهم إلى التحرّر من الاحتلال الجديد، تبزغ الى النور «الجبهة السيادية من اجل لبنان». جبهة لا رئيس فيها ولا مرؤوس، تضم مختلف مكونات المجتمع اللبناني، حزبياً وطائفياً، والأهم انها مصممة على الاستمرار مهما كلّف الأمر لتأدية الرسالة التي وجدت من أجلها.
رئيس حزب «الوطنيين الأحرار» كميل شمعون، الذي أثبت منذ تولّيه قيادة الحزب، انه إنسان ديناميكي وثوروي، حاملاً لإرث جدّه في العناد والمكابرة والتصميم، يؤكد أنّ «الجبهة السيادية قد تكون شبيهة بحركة 14 آذار لجهة تخَطّيها المنطق الطائفي الضيق، فهي عابرة للطوائف، وتضم بين مكوناتها مجموعات من الثورة من طوائف إسلامية مختلفة. وبالتالي، تشكل على غرار بكركي قيمة وطنية من أجل كل لبنان.
من هنا، كانت رغبتنا ان تنضم إليها القوى السيادية كافة، بمن فيها الكتائب، على أمل ان يعيد هذا الحزب العريق النظر بحساباته وسياساته، ويلتحق معنا في المستقبل لأنّ هدفنا يجب ان يكون موحداً وهو تحرير لبنان من الاحتلال الإيراني».
أمّا بالنسبة إلى «المستقبل» و»الاشتراكي»، فلا يمانع شمعون من انضمامهما الى الجبهة، بل هو امر مطلوب، إنّما يصرّ على أن «تيار المستقبل» الذي يمتلك الصفة التمثيلية الكبرى على الساحة السُنيّة، انغمَس بسياسات «مُسايرة» مع «حزب الله» أفقَدَته صُدقيته، لذا يُفترض أن يقوم بنقد ذاتي لمسار سياساته وتموضعه السياسي، ويتذكر أن له شهداء سقطوا من الرئيس رفيق الحريري ورفاقه إلى كل شهداء ثورة الأرز، فمن غير الجائز الاستمرار بهذه المسايرة، فيما معلوم من قتل هؤلاء الشهداء.
ولجهة الحزب «التقدمي الاشتراكي»، يعتبر شمعون أنّ الاتصالات معه قائمة، واذا أرادوا الانضمام الى الجبهة فأهلاً وسهلاً. لكنه يضيف: «على الجميع أن يعرف أننا لن نرحم أيّ طرف متورط في الفساد. مهمتنا ليست منوطة فقط بمواجهة «حزب الله» بل ايضاً محاسبة كل من استفاد من المال العام في مرحلة من المراحل».
التواصل مع الخارج
لا يقتصر عمل الجبهة السياسي ولا خطتها الاستقطابية على الداخل فقط، بل العيون شاخصة نحو الخارج، وقد فُتحت جدياً خطوط الاتصالات مع الانتشار اللبناني على «أمل أن تتعمّم الجبهة في الخارج لاستثمار طاقاته لنكون يداً واحدة، علماً أنّ الدياسبورا اللبنانية أيّدت وأبدَت كل الدعم للجبهة».
ويقول شمعون: «في موازاة عمل الداخل، هناك تركيز على الاغتراب بهدف إنشاء «لوبيينغ» قوي يضغط على مراكز القرار خارج لبنان من أجل إيجاد حلول للأزمة اللبنانية، التي لا يمكن ان تنتهي بإرادة داخلية فقط. لا نريد الدخول في حروب عبثية في الداخل ولسنا في وارد العودة الى فتح جبهات داخلية، بل عملنا محصور في الأطر الديموقراطية، لذلك ينصبّ هدفنا على خلق لوبي لبناني قوي يعمل على تحرير لبنان والحفاظ على الديموقراطية فيه». ويكشف شمعون ان «الاتصالات توسّعت لتشمل إضافة إلى «القوات اللبنانية»، بعضاً ممن ينتمون إلى «التيار الوطني الحر» الذين باتوا غير مقتنعين بأداء «التيار» السياسي وبتحالفاته ويؤكدون دعمهم للمبادرة التي أطلقها الأحرار، إضافة إلى وجود جزء كبير من الكتائبيين الذين يُبدون رغبة في الانضمام الى الجبهة».
الجبهة لكلّ لبنان
توقيت إطلاق الجبهة أثار عدة تساؤلات، لأنه أتى قبَيل الاستحقاق الانتخابي بأشهر قليلة، لذا ينفي شمعون كلياً أي ارتباط لإطلاقها بالانتخابات النيابية المقبلة، خصوصاً أن المعلوم في لبنان ان التحالفات الانتخابية لا ترتبط عادة بالتحالفات السياسية.
ويُعرب شمعون عن تمنّيه لو «أنّ القانون الانتخابي الحالي يساعد الجبهة على تشكيل لوائح خاصة بها، إلا أن هذا القانون الجائر ومعطيات أخرى تمنعه من الجزم من أنه سيكون في الانتخابات المقبلة لوائح موحدة للجبهة أو تحالفات بين مكوناتها لخوض المعركة الانتخابية على أساسها».
وفي الوقت نفسه، يشدّد شمعون على انّ «استرداد الوكالة من المنظومة الفاسدة لن يكون فقط عبر الانتخابات والعمل الداخلي، إنما بالتوازي مع عمل خارجي ضاغط، لأنه غير ذلك، لبنان لن يتحرّر من قبضة «حزب الله»، وهذا أمر يتطلب تطبيقاً للقرارات الدولية 1559، 1701، والقرارات ذات الصلة، لتجريد الحزب من سلاحه».
لذلك، فإنّ محاولات المنظومة الحاكمة منع المغتربين من المشاركة في الانتخابات المقبلة، يرفضها رئيس «الأحرار» كلياً، ويضعها في سياق خوف هذه المنظومة من رأي الخارج المتحرّر.
إذ انه، بحسب شمعون، «الذين هاجروا وتركوا بلدهم بسبب هذه المنظومة الفاسدة لن يصبّ رأيهم الانتخابي في مصلحتها. لذلك، اذا استطاعوا إلغاء صوت الاغتراب فإنهم لن يقصّروا. لكنّ هذا يقوّي قناعاتنا أكثر ويدفعنا لأن نخوض هذه المواجهة حتى يتحقق حق المغترب في التصويت. فنحن لن نسكت، ولا البطريركية ولا الجالية اللبنانية الموجودة في الخارج ستسكتان عن هذا الظلم، وسيكون هناك مواقف تصعيدية في هذا الصدد».
البلد محتل
يؤكد شمعون أن «لبنان محتل إيرانياً عبر «حزب الله»، وهذه ليست قناعة اللبنانيين في الداخل فقط، إنّما أيضاً قناعة العالم الغربي والعالم العربي. لذلك، نحن نحتاج لمساندة الدول العربية لنستعيد مكانتنا في العمق العربي، وكي يستعيد لبنان مكانته كمؤسس للجامعة العربية، ومن أجل حماية الانتشار اللبناني في الدول العربية والخليجية».
المقاومة السلمية والتدويل
مواجهة الاحتلال الإيراني تتطلّب جهداً ورؤيا وتعباً واستراتيجية، بحسب شمعون، الذي يؤكد رفضه العودة إلى حروب الماضي وانعكاساتها السيئة على المكونات اللبنانية. فالمقاومة السلمية لرفض السطو على لبنان ومقوماته ضرورة لأنه لم يعد لدينا ما نخسره إلا حياتنا. وهذه الضرورة تفرض سلوك مسار سياسي وإعلامي عبر استراتيجية لا تحيد عن مبادئ الديموقراطية. ورداً على سؤال عمّا اذا كان الأحرار مستعداً للذهاب بالمواجهة السلمية إلى أبعد الحدود، يجيب شمعون: «ما يريده الشعب نحن نريده».
أما عن تأييده تطبيق الفصل السابع لوضع حدّ لهيمنة إيران و»حزب الله» على القرار اللبناني، فيوضح: «لبنان أصلاً عضو مؤسس في الأمم المتحدة، ولنا فيها تمثيل. ونحن مع تحرير لبنان بأيّ ثمن من الاحتلال الايراني، وضروري ان يستعيد هذا الوطن دوره الدولي والعربي وهذا لن يتحقق بوجود سلاح «حزب الله».
ويضيف: «نحن نعتبر سلاح «حزب الله» سلاح احتلال، ولم يعد يفيد اللبنانيين، فلم يعد يستخدم في مواجهة إسرائيل، إنما وجهة استعماله تعممت على سوريا والعراق واليمن وغيرها. وطالما بات لنا جيش لبناني قوي لديه كل العتاد اللازم وقادر على القيام بمهامه ودوره، فلم يعد هناك حاجة لـ»المقاومة» بعد اليوم».
ويتابع شمعون: «نتمنى أن يفهم شركاؤنا الشيعة أن لغة السلاح لم تأت بالخير للبلد، واننا نريد أن نعيش سوية بحريّة، من دون أن تشعر أيّ جماعة أنها خائفة ومهدّدة بوجودها الحرّ. المطلوب الوعي ويقظة ضمير للعمل على إسقاط حاجز الخوف بين بعضنا كلبنانيين، وأن نجلس معاً على طاولة حوار من دون وجود سلاح بيد أيّ طرف لبناني».