IMLebanon

كنعان «يكسر الجليد» مع بري.. ولكن

لم يكن ينقص العلاقة بين الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون سوى الأزمة الحكومية. كل الملفات العالقة بينهما، والتي تؤشر إلى علاقة يصعب عودة الانتظام إليها، زيدت ملفاً جديداً. من مواقف الرئيس نبيه بري، يبدو واضحاً أنه لم يعد مستعداً للمسايرة. ومنذ عبّر عن غضبه من تراجع «تكتل التغيير والاصلاح» عن المشاركة في الجلسة التشريعية و «تعطيله تشريع الضرورة»، لم يتأخر في الاصطفاف بعيداً عن «حليفه» و «حليف حليفه» في موضوع الأزمة الحكومية الأخيرة.

يرفض بري التعطيل على أنواعه، من حيث المبدأ، لكن التوتر الأخير مع «التيار الوطني الحر» ليس سوى عنوان لـ «القلوب المليانة». باختصار لا شيء «راكب» بين «الحليفين على مضض». والقصة حكماً لا يمكن أن تحل بزيارة لأمين سر «تكتل التغيير والاصلاح» إلى عين التينة موفداً من عون. صحيح أن اللقاء بحد ذاته مفيد، لكن على الأرجح، فإن الطرفين يعرفان أن هكذا لقاءات لا يمكن أن تدخل إلى عمق المشكلة التي يصعب إيجاد مفتاحها.

قد يكون كنعان هو أكثر الوجوه العونية التي يرتاح بري للتواصل معها، لكن المشكلة ليست بالأشخاص، فحتى لو زار عون شخصياً عين التينة، ما أن ينتهي اللقاء، الذي سيكون ودياً على الأرجح، حتى يعود كل منهما إلى متراس مصالحه التي لا تلتقي مع مصالح الآخر. وحتى إذا ساهم لقاء أمس، في «كسر الجليد بين الطرفين وإزالة الكثير من الحواجز»، كما قال كنعان لـ «السفير»، فإنه في المقابل، لا يزال هنالك عدد أكبر من العوائق الإسمنتية بينهما. لا شك أن كنعان يعرف ذلك جيداً، وهو لذلك أكد أن المطلوب البناء على الإيجابيات وصولاً حتى تعزيزها.. مع ما يتطلبه ذلك من محاولات حثيثة.

ربما في اللحظة التي كان الاجتماع معقوداً في عين التينة، كانت المعركة محتدمة على جبهة وزارء الطرفين. صار معروفاً على نطاق واسع أن «الحرب» بين عين التينة والرابية يتم التعبير عنها بمعارك متفرقة بين «المالية» و «الخارجية» تحديداً، من دون إعفاء وزارات الطرفين الأخرى من الدخول بإمكانياتها على خط المواجهة. الوزير علي حسن خليل يدقق بالفاصلة والنقطة في أي معاملة تتعلق بوزارات «التيار»، ولاسيما «الخارجية» منها، وكذلك لا يخفي الوزير جبران باسيل توجهه الإقصائي المتعلق بالديبلوماسيين المحسوبين على حركة «أمل».

أمس خرج كنعان من «جلسة المصارحة»، قائلاً إن الاختلاف يقتصر على الاسلوب والأداء مقابل توافق تام على الأهداف، إن كان في موضوع الرئاسة أو في موضوع نصاب الجلسة الانتخابية أو في الأهداف الكبرى والتحديات. مع ذلك، ثمة من يؤكد أن الخلاف لو كان يقتصر فعلاً على الأسلوب والأداء، لما كانت وصلت الأمور إلى هذا الحد. وأكثر من ذلك، يعرف القاصي والداني أن ترداد الرئيس بري قوله إنه يؤيد التعيين، ولكنه إذا تعذر فمع التمديد، هو القول الذي يمسك فيه العصا من وسطها. فهو ليس مضطراً للمجاهرة بتأييده للتمديد للعماد جان قهوجي، في ظل وقوف «المستقبل» في واجهة المعارضة السياسية لتعيين شامل روكز. أما بالنسبة، للرئاسة، فيتعامل معها بري بحسب المنطق نفسه. وبالرغم من تأييده لعون رئاسياً، لكنه في المقابل، مع البحث عن مرشح آخر في حال تعذر انتخاب الجنرال. علماً أنه عندما يدعو نواب «التيار» للمشاركة في الجلسة الرئاسية إذا كانوا يريدون انتخاب رئيس، فهو كمن يدعو إلى انتخاب رئيس غير عون.. إذا استبعدت مسألة «الحرتقة السياسية».

نظرياً، كان الاجتماع بين بري وكنعان جزءاً من الجولات التي يجريها الأخير على عدد من القيادات في سياق شرح إعلان النيات الذي وقّع مع «القوات»، حيث زار حتى الآن النائب سليمان فرنجية والبطريرك بشارة الراعي ثم بري، على أن تستكمل مع قيادات أخرى، أبرزها النائب وليد جنبلاط. لكن عملياً، كان من الطبيعي أن تطغى الأزمة الحكومية على الاجتماع، مع تأكيد بري بداية على ترحيبه بأي حوار، ولاسيما الحوار المسيحي ـ المسيحي الذي يعتبره ضرورياً. ربما هذا الترحيب هو الشيء الوحيد الذي يخرج عن نطاق المجاملة. فبري، يدعو دائماً إلى التقارب بين الأطراف، ولاسيما التقارب المسيحي المسيحي، علماً أنه بذلك يناقض السلوك الذي يمارسه «المستقبل» المنزعج جداً مع تقارب حليفه القواتي مع «التيار الوطني الحر».

هذا الانزعاج هو بمثابة الدليل الإضافي لدى بعض العونيين أن المشكلة الأساسية في كل ما يجري تكمن عند «المستقبل» الذي يريد أن يتحكم بكل مفاصل البلد.. وليس عند بري. لهذا أصر كنعان على التفاؤل، قائلاً إنه يمكن البناء على المصارحة التي جرت «طالما أن الأسس واضحة وطالما أن كل طرف يعرف ماذا يريد». أما مسألة الأسلوب، فذلك بالنسبة للعونيين، أمر دفعوا إليه دفعاً، لأن خياراتهم ضيقة، فإما المواجهة أو الاستسلام. لكن مع ذلك يذّكر كنعان أنه «بالرغم من أن الخطوة التي لجأوا إليها اعتراضاً على التمديد سلبية بالشكل لكنها إيجابية في المضمون لأنها تدفع باتجاه تنفيذ القانون». فالقانون، ينص على التعيين، لا على التمديد. أما القول بأن الأوان لم يحن، فذلك عذر أقبح من ذنب، بحسب كنعان، لأن قائد الجيش كان يفترض أن يتقاعد منذ زمن وتمديد خدمته لا يعني وجوب أن يستمر حتى انتهاء فترة التمديد، مذكراً أن لا ولاية لموظفي الفئة الأولى، فهم معيّنون وليسوا منتخبين.