في صبيحة أحد الجبل الانتخابي، وقفَ النائب ابراهيم كنعان على شرفة منزله في قرنة شهوان «يتجدّب» و«يتثاءَب» مديراً ظهرَه للشمس وملتفتاً إلى ظلّه الطويل، فظنّ نفسَه مارداً وفي إمكانه أن يهزم كلّ مَن يعترض طريقَه، حتى رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون نفسه الذي منحَه «نعمة» النيابة من دون أن يكلّفه عناء خوض الحملات الانتخابية التي لا يدرك كنهَها، بل لا يفقهها أصلاً.
وعلى أساس هذه الماردية «المتخيَّلة» انطلق كنعان في بعض بلدات المتن وقراه معتقداً أنّه سيكتسح كلّ الخصوم في البلديات المتنية قبل أن يتنبّه إلى أنّ «مارديتَه» تضمحلّ شيئاً فشيئاً إلى أن زالت في رائعة النهار حيث أدركَ طوله الطبيعي الأقل من مترين، وحجمه التمثيلي الذي لا يتجاوز حديقة منزله في «القرنة» أو مكتبه في «الجديدة».
فمن التصعيد صباحاً داعياً إلى إنهاء «مصادرة» القرار المتني، عاد إلى «القرنة» مساءً بخفّي حنين يجرّ أذيال الخيبة وراءَه بعدما تأكّد من أنّ القرار المتني أعطيَ لمن كان وفيّاً له على الدوام منذ عشرات السنين، وأنّ المتنيين لم يعيروا دعواته أيّ اهتمام، وهو الذي أدارَ لهم ظهرَه وصمّ أذنَيه عن مطالبهم بعدما أغدقَ عليهم وعوداً فارغة لا يملك القدرة على ترجمتها.
أمين سرّ تكتّل «التغيير والإصلاح» لم يثبت أمانته لـ»سِر» اليوم الانتخابي فاعتقدَ أنّه بدقّ إسفين في علاقة المودّة والاحترام المتبادلة بين أبو الياس وعون يتيح له «حيثية» متنية جائعاً إليها منذ سنين، ولكنّه يصطدم بإدراك المتنين لعدم صدقيته في وعوده، بل إنّ هؤلاء يأخذون عليه شغفَه بالألقاب وادّعاءَه أنّ عون «لا يفقه» في القانون أيّ شيء من دون مشورتِه المسبَقة كونه «فقيهاً قانونياً ودستورياً» لا يضاهى، أين منه العمالقة من إدمون ربّاط وإدمون نعيم وحسن الرفاعي وغيرهم.
إحذر عدوّك مرّةً وصديقَك ألف مرّة… مثال يُعتقد أنّ عون يلتزمه ويَعمل بهَديه وستكون له ترجمة على الأرجح في الآتي من الاستحقاقات التي سيتبيّن أنّها ستشهد تحالفات كانت نواتها الروحية الإيجابية بين قوى المتن السياسية البارزة التي خاضت الانتخابات البلدية على أساسها والتي حاولَ كنعان التشويش عليها وتخريبَها في بعض المواقع لغاية في نفسِ «كنعان» تحاكي قصرَ بعبدا قبل أن ينكشف ويعود إلى «القرنة» خاليَ الوفاض.
وعليه، ليس سرّاً أنّ الانتخابات البلدية والاختيارية بنتائجها ستَدفع عون وغيرَه إلى فتح باب للثواب والعقاب داخلَ القوى التي خاضتها وتخوضها، لا سيّما منها القوى الأساسية، في ظلّ ما بدأ يتكشّف عن تغريد بعض السياسيين من هذه القوى خارج سرب قرارها المركزي في التعاطي مع الاستحقاق البلدي، بل إنّ البعض من هؤلاء ورّطَ الفريق الذي ينتمي إليه في مواجهات انتهت في غير مصلحته، وارتدّت سلباً عليه الآن وستكون كذلك في الاستحقاقات المقبلة.
من هذه القوى «التيار الوطني الحر» الذي بدأ المسؤولون فيه التحضيرَ لجردة حساب مع بعض الذين أنشأوا أو يحاولون إنشاء مراكز قوى لهم داخل «التيار»، وهو ما ظهر جليّاً قبَيل إعلان الوزير جبران باسيل رئيساً له بالتزكية، حيث تبيّنَ أنّ البعض داخل «التيار» وصَل إلى حدّ إحداث فتنة داخل العائلة العونية الصغيرة خصوصاً، والعائلة العونية عموماً، عبر التحريض على منافسة حادّة لرئاسة «التيار».
وأبرز الذين عملوا على هذا الخط كان كنعان، الذي «عمشَق» على عون متفلّتاً من «إدَّويته» أو ادّعائه الانتماءَ السياسي إلى العميد الراحل ريمون إدّه والنائب الراحل ألبير مخيبر، حيث شعَر أنّ «ولاءَه» لكلّ منهما لم يمكّنه من طموحه بمقعد نيابي يَبني عليه للوصول إلى مقعد وزاري، وربّما إلى رئاسة الجمهورية، حسب ما يتراءى له في المخيّلة والأحلام.
لقد كشفَت نتائج انتخابات المتن البلدية أنّ كنعان وبعض أشباهِه كانوا ولا يزالون عبئاً على عون وليسوا روافد له، إذ لم تُظهر الانتخابات أنّ لهؤلاء تأييداً أو تمثيلاً ملموساً على الأرض وأنّهم ما كانوا انتخِبوا نوّاباً لو لم يتمّ إلحاقهم بـ»البوسطة العونية».
ولذلك، يقول البعض إنّ عون في صَدد إعادة النظر في تمثيله النيابي تحضيراً لخوض الانتخابات النيابية المقبلة بدمٍ جديد، مستخلصاً في ذلك العبَر من تجربة الانتخابات البلدية وأداء نوّابه الحاليين وتأثيرهم فيها. حيث إنّ بعضهم رسبَ في الامتحان، وعلى رأسِهم كنعان الذي تبيّن أنّه ورّطه في معارك بلدية، يصِل بعضها إلى مستوى العداوة التي لا يريدها مع قوى سياسية تكنّ له الاحترام وترغَب فعلياً التحالفَ معه في الاستحقاق البلدي، وكذلك في الاستحقاقات اللاحقة.
على أنّ كنعان ظنّ للحظةٍ أنّ إحداث وقيعةٍ بين عون وبين نائب رئيس مجلس الوزراء السابق ميشال المر، من شأنه أن يفتح له أبوابَ المتن من قرنة شهوان، معتقداً بأنّ ممارسة سياسة «فرِّقْ تسُد» بين الجانبَين ستحقّق له «سيادة» في المتن، لكنّ المتن أبى إلّا أن يبقى وفياً لمن وقفَ معه ولا يزال منذ عشرات السنين.