ينعقد اليوم «اللقاء الوطني» في قصر بعبدا بمَن حضر، بعدما قرر الرئيس ميشال عون أن يمضي به حتى النهاية مُستنداً الى الحد الأدنى من «المؤونة» الميثاقية، ولكن الكافي بمعاييره، بعدما كان موقف القصر في البداية يميل الى ربط انعقاد اللقاء بحضور الرئيس سعد الحريري تحديداً.
من الواضح أنّ قصر بعبدا توصّل إلى اقتناع بأنّ التئام اللقاء، ولو ناقص العدد، يبقى أفضل من إلغائه وما سيرتبه من تداعيات، ذلك انّ صرف النظر عنه بفِعل مقاطعة رؤساء الحكومات السابقين له، خصوصاً الحريري، كان سيشكّل نكسة معنوية للعهد الذي سيظهر كأنه تراجع امام إرادة المقاطعين، وأعطاهم حق «الفيتو».
كذلك، فإنّ الاستغناء عن اللقاء بداعي النقص في «كالسيوم» الميثاقية كان سينطوي في رأي البعض على إساءة مباشرة لموقع رئيس الحكومة حسان دياب الذي سيبدو حينها كمَن ضُرب من بيت أبيه، على وقع الإيحاء بأنّ شريكه الأساسي في السلطة هو الذي سحب منه الشرعية السنية وأهداها على طبق من فضة الى «بيت الوسط»، والأرجح انه كانت سترتفع عندها أصوات من داخل الفريق السني المعارض لتيار «المستقبل»، مطالبة دياب بالاستقالة.
وإلى جانب ذلك، فإنّ حضور الرئيس السابق ميشال سليمان ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط عبر ابنه تيمور، سينقذ اللقاء من صبغة اللون الواحد الفاقع، وسيمنح هامشاً للرأي الآخر المعارض لسياسات العهد والحكومة.
وهناك من يلفت الى انّ عون، وبدلاً من ان يمنح المقاطعين فرصة تحقيق انتصار سياسي عليه في عقر داره في بعبدا، قرر تحميلهم مسؤولية التبعات المترتبة على موقفهم وإظهارهم في موقع من يغلّب مصالحه الشخصية والسياسية على متطلبات تحصين السلم الاهلي في مواجهة مخاطر الفتنة، بعيداً من حسابات الموالاة والمعارضة.
واذا كان تمثيل المكون السنّي في اجتماع بعبدا قد استحوذ على الاخذ والرد في الأيام الأخيرة، وكاد أن يحوّل لقاء الخميس من فرصة مفترضة الى أزمة اضافية، فإنّ «اللقاء التشاوري» دخلَ على خط الضغط في اتجاه تثبيت خيار عقد الاجتماع، انطلاقاً من انّ التمثيل السني متوافر عبر مشاركة رئيس الحكومة و»التشاوري» ممثلاً بالنائب فيصل كرامي الذي انزعج من طريقة تعامل بعض شركاء الخط الاستراتيجي معه ومع رئيس الحكومة.
ولا يخفي كرامي عتبه على موقف نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، الذي اعتبر أنّ الميثاقية لا تكتمل من دون الرئيس سعد الحريري، مُبدياً الحماسة لعودته الى رئاسة الحكومة.
ويقول كرامي المنتفِض لـ»الجمهورية»: «كيف يجوز أن يصدر هذا الموقف عَمّن ربح الانتخابات النيابية الأخيرة بفضل أصوات القاعدة الشعبية لعضو «اللقاء التشاوري» النائب عبد الرحيم مراد في البقاع الغربي؟ واذا كان هذا هو رأي الفرزلي في التمثيل السني، فلماذا طلب دعم نواب «التشاوري» من أجل انتخابه نائباً لرئيس مجلس النواب؟».
كذلك، يستغرب كرامي المواقف التي صدرت عن رئيس «التيار الوطني الحر « جبران باسيل عشيّة لقاء بعبدا من خلال خطابه الاخير، متسائلاً: «هل يصح ان يشنّ باسيل هذا الهجوم في اتجاهات عدة، بينما يرمي لقاء القصر الجمهوري الى تحصين الصف الداخلي في مواجهة مخاطر الفتنة؟».
ويؤكد كرامي «انّ اللقاء التشاوري ليس في حاجة إلى شهادة من احد في حيثيته السنية»، مُستهجناً «كيف أنّ هناك بين «الحلفاء والاصدقاء من يبالغ في تغنيج الحريري، ويكادون يجلبون له لبن العصفور لإرضائه، من دون مراعاة حيثية القوى السنية الأخرى الممثلة في مجلس النواب».
ويوضح انه يتفهّم ظروف رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية وموقفه حيال لقاء بعبدا، لافتاً الى انّ فرنجية لا تجوز معاملته بالطريقة التي يعامله بها «التيار الوطني الحر» الذي «زادَها عليه». ويضيف: «سليمان فرنجية حليف ثابت وصديق دائم، وهو شريك حقيقي في الشمال، ونحن لم نختلف مرة واحدة منذ عام 2005، وسيبقى كلانا مع الآخر في السرّاء والضرّاء».
ويشير كرامي الى «أنّ سلوك معظم الطبقة السياسية يُبين انها لا تزال منفصلة كلياً عن الواقع الشعبي الذي نُعايشه من خلال تواصلنا وتفاعلنا مع الناس وهمومهم»، موضحاً انه سيرفع الصوت خلال لقاء بعبدا وسيُنبّه الى خطورة «استمرار جزء من الحاكمين والسياسيين في التصرف وكأنّ شيئاً لم يتغير بعد».