صدر قرار مجلس الامن الدولي رقم 2728، ودعا الى وقف فوري للحرب “الاسرائيلية” التدميرية على غزة، فصوّت عليه 14 مندوباً، وامتنعت الولايات المتحدة الاميركية، ولم يقترن القرار بآلية لتنفيذه، لانه لم يوضع تحت الفصل السابع، الذي يفرض تشكيل قوات دولية تعمل على انهاء الحرب، لكن القرار يُلزم قانونياً العدو الاسرائيلي على تنفيذه، لكن الحكومة “الاسرائيلية” برئاسة بنيامين نتنياهو رفضته واستمرت في عدوانها، في وقت رحبت به حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية.
فعدم تمكن مجلس الامن من تطبيق قراره، سيتواصل العدوان. كما قرارات سابقة، كان الكيان الصهيوني ينبذها منذ اغتصابه لفلسطين عام 1948، حتى اجتياحه لغزة وقبلها لبنان، وحروب 1967 و1973، في وقت يفرض مجلس الامن تطبيق قراراته على دول اخرى، لاسيما تلك التي تناهض اميركا، التي تقوم بغزو دول كما فعلت في افغانستان والعراق، وتنشئ ما يسمى “بتحالف دولي” ضد سوريا واليمن وروسيا في اوكرانيا، والصين في الشرق الاقصى.
باتت منطقة الشرق الاوسط ساحة حرب دولية – اقليمية اشعلتها الحرب على غزة، التي تساندها دول محور المقاومة من ايران الى العراق فسوريا ولبنان واليمن، وكل دولة من هذه الدول تشارك في الحرب وفق قواعد ومعايير خاصة، في حين تقف اميركا الى جانب العدو الاسرائيلي منذ الايام الاولى التي شنت فيها “اسرائيل” الحرب على غزة، بعد عملية طوفان الاقصى التي نفذتها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، فحضر الرئيس الاميركي جو بايدن شخصيا الى الكيان الصهيوني داعما له كي يبقى، فارسل البوارج الحربية وزوّد الجيش “الاسرائيلي” بالاسلحة والذخائر كما وفّر نحو 15 مليار دولار له.
وضع الشرق الاوسط امام مرحلة خطيرة جدا، وهو معرّض لتغيير خرائط جغرافيته، كما لانظمة سياسية رسمت له مخططات ومشاريع منذ عقود، وكانت تقدم نماذج لما سيكون عليه ك “الشرق الاوسط الجديد”، الذي طرحه رئيس حكومة العدو الاسرائيلي السابق شيمون بيريز، الى “الشرق الاوسط الكبير” الذي ابتدعه الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش الابن، كما ان حرب الابادة الجماعية التي يقودها نتنياهو مع حلفائه من الاحزاب الدينية المتطرفة، فانه يعلن بان “شرق اوسط” سيولد من بعد الحرب على غزة تسود فيه “اسرائيل”، وهذا ما خلق تناقضا الى حد ما حول الحل او اليوم التالي لما بعد الحرب مع الادارة الاميركية، التي تتحدث عن حل الدولتين الذي رفضه نتنياهو.
هذه التطورات في المنطقة، والحرب على غزة التي لم تتوقف، فان الوزير السابق كريم بقرادوني صاحب العقل السياسي، والذي يرسم رؤى يقول لـ “الديار” بان ما يراه خطرا ليس على لبنان فقط، بل على الاقليم بشكل عام، الذي يشهد منذ الحرب “الاسرائيلية” على غزة تحولات لم يعرفها من قبل، وان لبنان المنخرط عبر حزب الله في المساندة لغزة، هو ضمن هذا الخطر الذي يرى بقرادوني، بان العدو الاسرائيلي هو من يعمل على توسيع الحرب لدفع حزب الله اليها، والذي ما زال يعتمد على “قواعد الاشتباك” وفق ما يفرضه الميدان.
فقبل وقف الحرب على غزة، لا يرى بقرادوني ان الوضع في لبنان خصوصا والاقليم عموما سيتجه نحو التهدئة، وانتهاء الاعمال العسكرية على الجبهات، واذا توقفت العمليات الحربية في غزة، فان “غزة السياسية” ستكون اكثر تعقيدا للحل الديبلوماسي والسياسي فيها، وهذا ما سيبقي المنطقة في توتر سياسي وامني وعسكري. فالمرحة الحالية هي للميدان العسكري، بالرغم من صدور قرار مجلس الامن بوقف الحرب، الا ان نتنياهو وحكومته والاحزاب الدينية، ليسوا مع انهاء العملية العسكرية المستمرة منذ ستة اشهر، ولم يحقق فيها الجيش “الاسرائيلي” اهداف غزوه البري وانسحابه منها، مع استمرار وجود حماس العسكري هو هزيمة له.
والداخل اللبناني المنقسم حول مشاركة حزب الله في الحرب، فان بقرادوني ينظر الى الموقف المسيحي الذي صدر من بكركي او احزاب وتيارات سياسية ضد الخيار العسكري، بانه امر طبيعي وقد تشارك هذا الموقف اطراف لبنانية اخرى، لكن لا يجوز ان يتوسع الخلاف بوجهات النظر الى حد الانقسام، والعودة الى مراحل سابقة من المأسي التي حلت باللبنانيين، الذين يفيدهم الحوار وليس الصدام وتعزيز الوحدة الوطنية.
ولا يتفق بقرادوني مع طرح السؤال “المسيحيون الى اين”؟ لان الاساس هو المنطقة الى اين؟ ولبنان من ضمنها، وقد شهدنا توزيعا جغرافيا لدول وتقاسمها وتقسيمها بعد حروب، وان ما يجري في بكركي من مناقشة لوثيقة سماها البعض تاريخية فهو خاطئ، لان الوثيقة تصبح تاريخية عندما يتم التوافق عليها مسيحيا ثم لبنانيا، وتسلك طريقها عربيا ودوليا وما ستحققه، وما اذا كانت دخلت التاريخ وهي ما زالت في البدايات، وظهرت التباينات حولها من المكونات المسيحية وتحديدا المارونية. فالمبادئ ليست موضع خلاف، لكن الآليات والظروف التي تطرح فيها، هي ما ينظر اليها.