Site icon IMLebanon

كريم محيي الدين شهيد المساعدات الغذائية

 

هجومات على مخازن الحصص الغذائية وخوّات على الجمعيات

في ميزان السياسيين المتصارعين المانعين تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلة، لا أحد يأبه لمطالب “عسكر الشطرنج” أو جوع “المواطنين”. جوعٌ متناثر على امتداد الساحة اللبنانية، وقد خطف في اليوم الأول من شهر رمضان وقبل موعد الإفطار، روح الشاب المتطوّع الطرابلسي كريم محمود محي الدين، 34 عاماً، وتَوَّجَهُ “شهيد الحصص الغذائية”، بعد أن لقي حتفه في إشكال “على توزيع إعاشات” للمحتاجين والمعوزين، تخلّله تزاحم وإطلاق نار في محلة الخنّاق في منطقة باب الرمل في طرابلس.

 

نوع جديد من الشهداء على مذبح الوطن…! “شهداء المعدة الخاوية” وفدائيو “المساعدات الغذائية”! هكذا، بلمح البصر انضم كريم إلى قافلة شهداء من لا تكترث لهم دولة ولا يلاحق حقهم ساسة. والأب محمود يبكي شهيده لـ”نداء الوطن” بالقول “أنا ما شبعت منه وهو مات تا ما يبقى حدا مش شبعان” ويتابع “وقف ابني كريم ضد فكرة البطالة والفقر وانخفاض قيمة العملة الوطنية وارتفاع الأسعار، ليس لأنه يعارض الواقع اللبناني المرير بل لقناعته بأنه لكل نفس رزقها فاختار التطوع في توزيع الحصص الغذائية عند جمعية التقوى والسلام التابعة لرئيسها الحاج محمد سلطان. وخلال التوزيع، وقع شجار تطور إلى إطلاق نار. استخدم فيه رجلان الأول لبناني يُدعى عبدالعزيز صلاح الحسنين والثاني لاجئ سوري يُدعى أحمد ابراهيم الشوغري، أسلحة غير مرخصة بغية الظفر بحصص إضافية لهما من غنيمة “المساعدات” ووقع ابني ضحية ذلك الطمع، أو الحاجة! أما ما يُؤرقني أنه كان هناك ليساعد أخاه أحمد فقط، فأشعر كما لو أنه تطوّع لموته”.

 

“منذ أن طُرحت معادلة الموت الرحيم على أبناء طرابلس، وبعيداً عن الاصطفافات السياسية، كان همّ ابني أن يكون فاعلاً في مجتمعه، ومساعداً على فعل الخير، إذ يمر شهر رمضان هذه السنة على اللبنانيين عموماً والطرابلسيين خصوصاً بعذابات مُضاعفة، تفتقر فيها الموائد للحوم والحلويات ويختبر فيها المواطنون واقعاً أكثر قساوة من ذي قبل، يكافحون لتأمين قوت يومهم ويستذكرون أياماً مضت ويحلمون أن تعود”، بهذه الكلمات تابع الأب محمود وصفه للواقع المر، وأضاف “أوقفت شعبة المعلومات من قتلا ابني، وأحالتهما إلى التحقيق لاجراء المقتضى بحقهم، أما الأفظع فإنه وبعد وقوع الإشكال اقتحم عدد من المواطنين مستودع الجمعية وسرقوا الحصص الغذائية الموجودة بلا إذن ما يُنذر حقيقة بواقع ميؤوس منه واحتقان اجتماعي لافت بسبب الصعوبات المعيشية والإجتماعية التي جعلت من معظم الناس “فئات هشة” تعاني الأمرّين”.

 

من جهته، يقول وسام درويش وهو جار الشهيد كريم، لـ”نداء الوطن” إنه سبق لكريم أن أنقذ منزله من حريق محتمل كان يستحيل إطفاؤه وأنه كان خدوماً وسيادياً يحب وطنه ويرفض فكرة الاستسلام للواقع المرير. وفيما ينطلق كثيرون لرفع الصوت معبرين عن حالة الجوع التي يعانونها لم يبخل كريم بتقديم لون جديد من الدعم والإسناد لمجتمعه، وذهب ضحية طمع البعض بحصص غذائية إضافية”.

 

أما الناشط محمد العمر فيشرح لـ”نداء الوطن” أن هناك ظاهرة مخيفة باتت تميط اللثام عنها وهي وجود مجموعة من “الشبيحة” الذين ما ان يسمعوا بمساعدات أو بجمعية ما تريد توزيع الحصص، حتى ينقضّوا عليها “بالموتوسيكلات” ويفرضوا أخذ حصص إضافية بشكل عشوائي من دون توقيع أو إعطاء أوراق ثبوتية أو غيرها وقد حصلت إشكالات عديدة مماثلة في الشهرين الأخيرين آخرها كان مع جمعية “أجيالنا” إذ “هجم” على مستودعاتها عدد من الأشخاص كي يأخذوا ما استطاعوا أخذه وبالقوة. ويتابع “وهو ما دفعني شخصياً لإقامة حملات مساعدات لعائلات أكثر حاجة و”متعففة عن النزول إلى الشارع” وأوصل لهم المساعدات العينية باليد إلى منازلهم احتياطاً من “الزعرنات” أو “التشبيح” أو تعريضهم كعائلات إلى أي نوع من الذل. لن أخوض في تقييم أخلاقي، وإنساني لهؤلاء، إلا أن الواقع كارثي على كل الأصعدة”.

 

وعبرت الحقوقية والناشطة السياسية في الشمال جميلة خضر عن أسفها لما حدث مع كريم، بخاصة أن له صيتاً طيباً بين الناس وهو شخص محبوب وقريب من القلب. وتابعت لـ”نداء الوطن” كلامها قائلة: “ليست طريقة توزيع “الحصص الغذائية” مسألة مساعدات وحسب، وإنما هي أكبر وأعمق من ذلك، لما سينتج عنها من نتائج سياسية بعد ذلك في طرابلس وكل لبنان، قبل الانتخابات المنتظر أن تنظم بعد عام من اليوم. فهي للأسف طريقة ذكية لاستزلام الشعب المنتفض على المنظومة ولإسكات جوعهم بالقطرات وكما يقول المثل “طعمي التم بتستحي العين” فحين تتقطع السبل بالفقراء ولا يجدون ما يسدون به جوعهم تكون المحصلة إما اقتتالاً على المساعدات أو استزلاماً بإحسان.

 

بمنطق أقرب إلى اليأس، قلق يساور جميع اللبنانيين في هذه المرحلة الاقتصادية والاجتماعية العصيبة، التي باتت فيها أصغر المساعدات “كحجر عثرة أمام الجهود المبذولة” من المتطوعين الواقعين بين مطرقة العطاء وسندان الزبائنية المدفونة في التفاصيل… وبعباراتٍ أكثر تماسكاً وأقرب إلى البناء اللغوي السليم “قُتلت الآمال وماتت الطموحات” والشعب ما زال ينتظر وصول أموال وزارة الشؤون الإجتماعية للعائلات الأكثر فقراً “على خير” إن شاء الله!