لا يتمّ احترام أي قواعد في حرب المشاغلة الجنوبية سوى قاعدة واحدة: عدم المساس باتفاق الترسيم البحري بين لبنان و»دولة إسرائيل». صحيح أنّه يُحكى عن قواعد اشتباك لا يجري تخطّيها في معارك التراشق، لكن نتائج ذلك التراشق باتت تتخطّى في كارثيتها نتائج حربٍ مفتوحة. شريطٌ كاملٌ من القرى اللبنانية المحاذية للحدود جرى ويجري هدمها بعد تهجير أهلها. مئات الضحايا من مدنيين وعناصر من «حزب الله»، وخسائر تنتظر من يحصيها في البنى التحتية والمواسم ومصادر الرزق وآفاق المستقبل. وفي المقابل ضربات في مستوطنات الجليل جعلت سكّانها من نزلاء الفنادق…
يحصل بنتيجة فتح الجبهة تضامن مع «حماس» و»الجهاد» في غزة ، ولكنه تضامن لم يسفر عن ردع العدوان الإسرائيلي في تنفيذ أي من خطواته المقرّرة ولم يمنع إسرائيل من مواصلة حروبها في لبنان وسوريا ضد «حزب الله» وإيران. كان الهدف المعلن للمشاغلة في بداية الحرب العام الماضي منع العدو من اجتياح القطاع، ولم يعد لهذا الهدف من معنى اليوم بعدما وصل الدمار والموت إلى رفح آخر المدن الغزّاوية…
ورقة الضغط الوحيدة ربما كانت حقل كاريش الذي لم يمسّه أحد بسوء طوال هذه الحرب التدميرية. لقد بدأ الغاز يتدفّق منه في 22 شباط الماضي إلى «إنرجين باور» السفينة العائمة الراسية بجواره ومهمتها معالجة الإنتاج قبل نقله إلى جنوب حيفا عبر خط أنابيب بحرية، ومن هذه السفينة يجري أيضاً نقل النفط المستخرج في ناقلات إلى أسواق التصدير كل بضعة أسابيع.
في تقارير إعلامية نشرت قبل فترة جاء أنّ الغاز المستخرج من كاريش، وهو حقل كان يطالب به لبنان وتخلى عنه المفاوضون باسمه لدى تراجعهم عن الخط 29، منع حدوث نقص في الإمدادات عندما توقف حقل «تمار» عن الإنتاج عدة أسابيع بسبب حرب غزة، وقال الرئيس التنفيذي لشركة «إنرجين» في حينه لـ» فاينانشال تايمز»: لقد «تحتّم علينا الإنتاج لكي تبقى الأضواء مُنارة في إسرائيل». «كاريش» مع ذلك لم يُمسّ. ربّما لأن استهدافه سيكون الخروج الوحيد على قواعد اللعبة.