ميزة ما قاله الزميل الحاج قاسم قصير قبل نحو اسبوعين على شاشة “أن بي أن” وصار مثار جدل وتقييمات، عن واجب “حزب الله” العودة الى لبنان والتوقف عن الإئتمار بالولي الفقيه والتفاهم مع سائر اللبنانيين على استراتيجية دفاع، أنه يصدر من مؤيّد لـ”الحزب” أمضى أربعة عقود في الدفاع عن نهج مقاومته وليس من موقع الخصم الذي يتمنى له هزيمةً او انكفاء.
ولعلّ الحملة الشعواء، التي شنّها محترفون أو مناصرون “عاطفيون” لـ”الحزب” على الحاج “داعية الحوار”، دليل الى صدمةٍ أحدثها في أوساطٍ تعوّدت مخاطبة الذات في الاعلام الموالي لـ”الحزب” ونفخ “الأنا” الجماعية، لتخال “البيئة” أنّها تحتكر الحقّ وأمّا الباقون فعلى كفر وضلال. ولذا يفهم القاصي والداني مغزى اعتذار الحاج قاسم أمس عمّا تفوه به عن طيب طوية ووطنية صادقة.
ولسنا لندخل هنا في نقاش تصفيقاً لكلامٍ ينسجم مع آرائنا ويلاقي طروحاتنا وتسفيهاً لمنتقدي الزميل الباحث ولائميه والداعين الى “مسامحته” على ما “اقترف”، والباحثين له عن أعذار و”أسباب تخفيفية” شاهرين شعار “درء الفتنة”، بل لنؤكد على واجب توسيع دائرة النقاش الجدي والمحترم على مستوى الرأي العام وداخل الطائفة الشيعية، وتحديداً أكثريتها الموالية لـ”الحزب”، من دون أن يُتهم عاقلٌ مثل الحاج قاسم بـ”الانحراف” وارتكاب “خطأ في التوقيت غير المناسب”، ويضطر الى التراجع المؤلم عن رأي حر… وما زاد على ذلك في وسائل التواصل الاجتماعي فمحض سفاهات وهراء.
لا ينقص الطائفة الشيعية اقلام حاذقة وأصوات مرتفعة تُفنّد مضار “الدويلة” وامتداداتها على “الدولة” ومواطنيها. لكن رد الفعل المُستهجِن والمستنكِر لبداهة ما أدلى به الحاج قاسم دليل على مدى “الإقفال” الذي أُحكم على الأكثرية فيها، والجاهزة لإخراج المُغاير من “جنة” تماسكها ونقائها. وأصعب لحظاتها عجزها عن رمي أحد مروجي قناعاتها بالخيانة فوراً والولاء للسفارات، مثلما فعلت مع كثُر مناهضين لسياسة “حزب الله” ارتاحت في التعاطي معهم حين صنفتهم بخانة الأعداء والعملاء.
أهمية ما جاء على لسان الحاج الزميل، في نسخته الأولى الأصلية، في بساطته ومنطقيته وواقعيته. فلم يُدِن “حزب الله” لا ماضياً ولا حاضراً، بل أطلق صرخة “حان وقت الدولة”. وهو حين يدعو “الحزب” الى “اللبننة” مثبتاً لرؤية الامام الراحل محمد مهدي شمس الدين في “الوصايا” بضرورة عدم تبني شيعة الدول العربية مشاريع خاصة تتجاوز الدولة، فإنه يعيد الطائفة الى المواطنية ويوسع المشتركات مع سائر اللبنانيين في ظل الولاء للكيان والانخراط في دولة القانون والمؤسسات.
لا نحب الاقتناع بأن دعوة الزميل قصير “حزب الله” الى فتح صفحة جديدة ستبقى مجرد ومض في بَرّية ذهنية الاستقواء، وأنها دُفنت في مهدها عبر “التوضيح”، فما طرحه يصلح برنامجاً للمخاطَب وعنوان حوار ومساحة لقاء أطراف سياسية متخاصمة وصناع رأي وقرار. وسيكتشف “الحزب”، لو صدقت النيات، ان لهذا البرنامج أنصاراً كثيرين في صفوف العقلاء من الفرقاء جميعاً.
انها دعوة ملحّة لـ”حزب الله” ليعيد الحسابات. فوضعنا مأسوي، والمنطقة حولنا تتغير، وكلّ طرف يبحث لنفسه عن طريق للخلاص. بات المشروع الاقليمي المتجاوز لمصلحة لبنان واللبنانيين عبئاً ثقيلاً غير قابل للاحتمال. وحان وقت اعطاء اللبناني فرصةً للحياة.