Site icon IMLebanon

الأحزاب مع الثورة أم ضدّها؟

 

1 – حزب الكتائب

 

المعيار الذي أعتمده للحكم على الثورة وعلى كلّ ما يتعلّق بها من برامج وقوى ومكوّنات هو الموقف من الدولة. وهو معيار تُقاس به مواقف جميع القوى السياسية، وحاولت تطبيقه في قراءتي النقدية للحرب الأهلية منذ أن ألقيت في قيادة “الحزب الشيوعي” المركزية محاضرة بعنوان “أزمة الديموقراطية في مشروع الحريري وفي مشروع الحزب الشيوعي”، ونشرتها في جريدة “النهار” في شباط عام 1994.

 

الدولة في هذا المعيار هي الدولة الدستورية، أي دولة القانون والمؤسّسات والكفاءة وتكافؤ الفرص والديموقراطية والعدالة الإجتماعية، وهذه كلّها مواصفات الدولة التي أنتجتها الحضارة الرأسمالية. لذلك، كان من الطبيعي أن يصطدم هذا المعيار بقوى السلطة والمعارضة على اختلاف تصنيفاتها المعتمدة، يسارية ويمينية وقومية ودينية لأنّ أيّاً منها، بما في ذلك “حزب الكتائب”، لم يكن يملك، في ذلك الوقت، غير معيار العلاقات المميّزة مع النظام السوري، إمّا تطبيلاً وتزميراً وإشادة وذهاباً وإياباً على طريق الشام وتملّقاً وانبطاحاً على أبواب عنجر، وإمّا هجاء وقدحاً وذمّاً بنظام الوصاية، مع ما يقتضيه ذلك من مناكفات معه حيناً ومواجهته أحياناً كقوة احتلال.

 

غياب هذا المعيار عن الخطاب السياسي جعلني مؤيّداً بتحفّظ كلّ تحرّك شعبي مطلبي أو سياسي، بما في ذلك انتفاضة الإستقلال التي لم أنقطع عن المشاركة في أي من مناسباتها لكنّني لم أتوانَ عن نقدها. إلا ثورة السابع عشر من تشرين، فقد وجدت فيها ضالتي، فهي التحرّك الشعبي الوحيد الذي اعتمد معيار الدولة، وكان شعاره الرئيسي ثورة تحت سقف الدستور، ومطلبه تطبيق النظام وليس تغييره، وإعادة تشكيل السلطة لاستعادة سيادة الدولة من مغتصبيها في الداخل.

 

الخطاب السياسي لـ”حزب الكتائب”، ولا سيّما منذ استقالة وزرائه عام 2016 من الحكومة التي كان يرئسها تمام سلام، مطابق لخطاب الثورة وبرنامجها، وهي مطابقة ضرورية لكن غير كافية ليصير الحزب طرفاً أساسياً فيها ومكوّناً أساسياً من مكوّناتها. وهي تصبح كافية بعد تذليل عقبات ثلاث.

 

تتلخّص الأولى بأنّ تاريخ “حزب الكتائب” لا يبدأ مع رئاسة سامي الجميل ولا مع استقالة وزرائه من الحكومة. صحيح أنّ رئيسه الشاب من قماشة مختلفة عن قماشة رؤساء الأحزاب، لكنّه متحدّر من إرث ثقيل، لا يخفّف من وطأته عليه خطاب التعلّق بالدستور وبسيادة الدولة ولا موقف شجاع ونقيّ من فساد أهل السلطة، ولا يكفيه نقده الجريء للحرب الأهلية وللمشاركين فيها، ولا دعوته الصادقة الى قيام سلم أهلي دائم في ظلّ الديموقراطية ودولة القانون والمؤسسات. ربّما يحتاج الأمر إلى نقلة نوعية في بنية الحزب تخرجه من إطاره المسيحي إلى رِحاب الوطن، وهو طموح لا تنجزه سنوات ثلاث من التمايز في الخطاب والسلوك.

 

الثانية، إصراره على انتخابات مبكرة من غير تعديل قانون الإنتخاب، ما يبعد موقفه عن موقف الثورة الطامح إلى تحقيق تغيير جذري في طبيعة التمثيل النيابي، لا الإكتفاء بإعادة التوازن وتعديل النسب فحسب في تمثيل المسيحيين في البرلمان.

 

الثالثة، اعتباره الثورة استكمالاً لانتفاضة الاستقلال أو لحروب التحرّر الوطني من “الغرباء”، لا ثورة لإعادة بناء الوطن والدولة. سيادة الدولة هي الأساس في الحالتين، لكنّ المعنى مختلف تماماً بين السيادة على الحدود والسيادة داخل الحدود. لا الآليات ذاتها ولا البرنامج ولا خريطة الطريق ولا التحالفات.

 

مع ذلك، التعاون ضروري تحت سقف الثورة