يجهد اليوم حزب «الكتائب» لصياغة جبهة حراكية يحضر لها بعناية، وإن كان المحازبون لا يحبون تصويرهم بمحركي تلك الجبهة بل يكتفون بكونهم جزءا منها، مع العمل لكي تشمل أكبر تنوع ممكن لناحية التوجهات والمناطق.
جاءت هذه الجبهة بعد شبه اعلان لجبهة سمّت نفسها بـ»نداء 13 نيسان» والتي تبدو الاكثر قدرة بين الائتلافات الحالية على حشد الاصوات التغييرية وتتفوق على جبهة «الكتائب» في استقطاب شباب المناطق.
ولعل الحزب وحلفائه في الجبهة المنوي اعلانها يعلمون ذلك، واذا كانوا على يقين بالقدرة الحزبية التنظيمية لـ»الكتائب» وخبرته العريقة في الانتخابات ناهيك عن شعبيته اضافة الى واقع حال النائب ميشال معوض، الحليف الذي يقتصر على مناطق في الشمال، إلا انهم يعلمون ايضا القدرة المتواضعة للمجموعات لرفد الحزب بالاصوات في الاستحقاق الانتخابي المقبل الذي يمثل الهدف الاول للجبهة. والحديث هنا يدور عن مجموعات مثل «خط أحمر» و»لقاء تشرين» و»عامية 17 تشرين» و»تقدم» و»هيئة دعم الثورة» و»ريبلز» و»الجنوب ينتفض» وهي مجموعات نخبوية تنشط مع غيرها في الائتلاف إعلاميا، لكنها قد تضم مجموعات وشخصيات جديدة مع الوقت.
لا يرى صائغو الجبهة المنوي الاعلان عنها لاحقا أنها تتعارض مع «نداء 13 نيسان» الذي تم الإعلان عنه في 13 نيسان الماضي في مقر «حزب الكتلة الوطنية». فـ»الكتائب» يرى نفسه معارضا ويجهد لإقناع الحراكيين بذلك كونه ما زال مُعتبرا لدى هؤلاء جزءا من الطبقة السياسية التي ثاروا عليها. وهو بالكاد استطاع المشاركة في الفعاليات الشعبية الكبيرة التي خرجت خلال الفترة الاولى من 17 تشرين.
واليوم شرع الحزب في اتصالات حثيثة مع مجموعات متنوعة منها من هم في نداء نيسان لتكوين إطار جامع واسع وتوحيد قوى المعارضة في وجه السلطة، ما يمثل الحد الادنى المطلوب لمحاربتها وهي المتقنة، حسب الحراكيين، للعبة شدّ العصب ونزاعات الطوائف والتحاصص في الفساد، او ما يسميه الكتئابيون بتحالف المافيا والميليشيا.
تعلم المجموعات تماما أن انقسام قوى التغيير في البلد، الإسم البديل عن الحراك والمعارضين، وشرذمتها، سيؤديان إلى أن تستمر السلطة في التحكم في البلد، أما توحد تلك القوى فسيؤدي الى انتصار على المنظومة كما حدث في نقابة المهندسين.
ولذلك فالكتائبيون يهدفون الى تعزيز هذا المسار التواصلي مع المجموعات والجبهات الاخرى قيد التشكيل، خاصة وان العد العكسي للانتخابات النيابية يشير الى أقل من عام لإجرائها وهو ما يتطلب وحدة لتلك القوى التي لا تستطيع مجاراة السلطة ماديا واعلاميا.
يتفاءل الكتائبيون من تغير المزاج الشعبي بعد 17 تشرين، وان كانت الاحصاءات لا تشير الى انزياح بالضرورة للفئات الشعبية عن «التيار الوطني الحر» في الساحة المسيحية، نحو «الكتائب». لذا فهم كرروا في الفترة الاخيرة دعواتهم الى انتخابات مبكرة، على غرار دعوات «القوات اللبنانية»، لكنهم اليوم بدأوا التعامل مع الامور بواقعية وهمهم يتمثل في عدم تأجيل الانتخابات بعد أقل من عام كون التأجيل سيذهب بكل جهودهم لاستثمار تراجع شعبية اركان السلطة.
الوحدة في وجه تحالف الميليشيا والمافيا
يرد الكتائبيون على منتقديهم بعدم عراقتهم في المعارضة، أنهم كانوا اول من شكل معارضة في البلاد مع تشكيلهم منذ خمس سنوات معارضة للسلطة بعد خروجهم من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، كما عبر تنديدهم بما عرف بالتسوية الرئاسية التي جاءت بالعماد ميشال عون رئيسا للجمهورية.
وبذلك هم جزء من معارضة المنظومة التي تمثل تلك التسوية مرآتها، مقدمين أمثلة عبر أدائهم في ملفات مثل الكهرباء وموضوع رفض الضرائب في الموازنة التي طعنوا بها وسلسلة الرتب والرواتب والنفايات والمطامر..
وهم يجهدون للخروج من كونهم حزبا يمينيا تورط بعمق في الحرب الأهلية، لصالح صورة حزب شاب شارك في انتفاضة تشرين منذ ايامها الاولى والتي استضاف «بيت الكتائب» في احيان عديدة «ثوارها»، وهو يرفض اليوم معركة العهد والتيار الحر تحت شعار حقوق المسيحيين. ذلك ان الامر لا يعدو كونه يتعلق بالصراع بين الطوائف ولا يقتصر على العهد بطبيعة الحال بل يشمل أركان الطوائف كافة «وسط منظومة تتألف من تحالف الميليشيا والمافيا الذي جرّ لبنان الى محور خارجي». لذا لا داعي لشعار الرئيس القوي بينما للمسيحيين 15 وزيرا واكثر من 54 نائبا، وفي الوقت الذي يمر فيه البلد بحالة مزرية فعلا.
ولذلك سيمضي الكتائبيون بمسارهم الحراكي على الارض وذلك سيتخذ أشكالا عدة حسب ما تتم الدعوات إليه، من دون اتخاذ وسيلة قطع الطرقات التي تضر بهم، مع تعزيز التنسيق مع المجموعات الاخرى، في انتظار تمخض ماهية الجبهات الأخرى قيد التشكيل. ويبدو أنهم سيتخذون مسارا انتخابيا خاصا بهم مع صياغة تحالفات مع قوى مؤثرة في مناطقها.. «على القطعة».