منذ الإنتخابات النيابية في أيار 2018 تحوّل حزب الكتائب اللبنانية إلى المعارضة «بالجملة» وليس «عالقطعة» فقط. بالنسبة إليه المعارضة ليست للمعارضة أو بسبب إقصاء، بل جرّاء منطقٍ سياسيّ وإداري مُعتمَد، يستهتر بمصلحة البلد ومواطنيه، ولم ينتج منه إلّا الهدر والفساد وإغراق الدولة على المستويات كلّها. الكتائب ليست قادرة بثلاثة نواب على مواجهة سلطة بكاملها تشكّل الغالبية في مجلس النواب وتحتكر الحكومة. وعلى رغم أنّّ الكتائب خُذِلت في إنتخابات 2018، وفي أكثر من تحرُّك في الشارع، يبقى تعويلُها الوحيد على الناس ليقولوا: «stop».
يقف حزب الكتائب وحيداً على جبهة المعارضة فبقية الأحزاب والتيارات الكبيرة دخلت في التسوية والحكومة. وحتى مَن قدّم نفسَه للناس معارضاً في إنتخابات 2018 دخل بالنسبة إلى الكتائب في «الـsystem والمحاصصة».
وعلى رغم حَمل الكتائب راية تأمين حقوق الناس الإقتصادية والإجتماعية والبيئية، كما السياسية، إلّا أنّ هذا الخطابَ لم يستمِل كثيرين في الإنتخابات. يُبرّر الكتائبيون «خذلان» الناس لهم بأنهم ربما لم يكونوا جاهزين حينها لتقبّل خطٍ معارض من هذا النوع وكانوا يتأمّلون تغييراً ما من الأطراف السياسية، إذ وُعدوا بمؤتمر «سيدر» والإصلاح ومحاربة الفساد.
وعلى رغم أنّ المعارضة كلّفت الكتائب خسارة مواقع في السلطة وإستثناءها من المحاصصة والتعيينات، في المقابل لم تُكسبها إلى الآن تجاوباً أو تفاعلاً شعبياً كبيراً، إلّا أنّها ليست نادمة على خياراتها ومستمرّة في النهج نفسه، ولقد تأكد بالنسبة إليها، مع مرور كل يوم منذ 7 أيار 2018، صوابية الموقف الذي اتّخذته.
وفضلاً عن الأسباب البنيوية الكثيرة التي يجب أن تدفع الناس الى التحرك أو إسقاط السلطة، تنتظر الكتائب حدثاً ما يدفع اللبنانيين الى هذا الإتجاه، ويسأل كتائبيون: «كم مرة يجب أن يتقبّل الناس الإستهتار بهم لكي يحاسِبوا؟». لذلك إنّ الحزب جاهز وحاضر لتأدية دوره في الاتجاه الصحيح، فقد يُلاقي الناس وقد يناديهم هو في الوقت المناسب، ويقول لهم: «هيّا إلى الشارع».
لا يكتفي حزب الكتائب في هذه المرحلة من عمره السياسي بالتوجه إلى الناس بخطابٍ وجوديّ، بل يكبّ رئيسه النائب سامي الجميل وبقية المسؤولين في الحزب على درس الملفات كلّها وإيجاد الحلول وعرضها وتقديمها. وفي حين لا يعرف مسؤولون كبار في الدولة كم يبلغ سِعر ربطة الخبز أو ما هي نسبة الضريبة المفروضة على قطاعات معينة، يَظهر مقدار ضلوع مسؤولي الكتائب في «الشاردة والواردة» من الهموم الحياتية اليومية.
وبالنسبة إلى الكتائب هناك «فشل تام في التعامل مع كل الملفات، والإفلاس الذي وصلت إليه الدولة حصل لأنّ هناك أطرافاً أقرّت سلسلة الرتب والرواتب من دون تأمين إيراداتها، ووظّفت بطريقة غير شرعية وعشوائية، ولأنّ هناك فساداً وإبرامَ عقود خيالية، كذلك هناك أطراف استفادت على حساب المالية العامة».
ويظهر تركيز «الكتائب» على الموازنة كمفتاحٍ للتغيير ولتحسين وضع اللبنانيين بدلاً من «قهرِهم» أكثر. أمّا مشروع الموازنة الذي أقّرته الحكومة وتكبّ لجنة المال والموازنة على درسه حالياً، فهو بالنسبة إلى الكتائب «مزحة كبيرة وموازنة خيالية غير قريبة من الواقع».
وعلى سبيل المثال، عن عدم جدّية السلطة وسوء تقديرها، يشير كتائبيون إلى أنّ «في موازنة 2018 قُدّر العجز بـ4.8 مليارات دولار أي نسبة 8.5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، لكن عام 2018 انتهى بعجز 11.5 في المئة. وتمّ إعدادُ موازنة 2019 بالمقارنة مع رقم العجز المُحدَّد في موازنة 2018 على رغم أنّ الحكومة لم تتمكّن من تحقيقه، بدلاً من إجراء مقارنة مع رقم العجز الفعلي في 2018، أي 11.5 في المئة».
وإذ تعتبر الحكومة أنّه يمكنها تأمين إيرادات من خلال ضرائب ضمّنتها في الموازنة وتصرّ على أنها لا تُطاول المواطنين، تؤكّد الكتائب أنّ هذه الإيرادات المُفترضة سترفع كلفة المعيشة مثل الضرائب والرسوم على النرجيلة وجواز السفر والمواد المستوردة، التي تشمل 70 في المئة من الأدوات والمواد المُستهلكة وغير المُصنّعة في لبنان، والتي تشمل أيضاً البنزين والمحروقات كلّها.
أمّا على الصعيد السياسي العام فتبتعد الكتائب من السجالات التي تغرق فيها الأطراف السياسية، وترى أنّ «هناك حالة جنون في البلد وفقداناً للصواب»، وترفض إعتماد الخطاب الطائفي لشدّ عصب الناس. وفي حين يغرق أفرقاء السلطة في السجالات، تُحذّر الكتائب من التغيير الذي يُعدّ للمنطقة، كذلك من التغيير في لبنان على الصعيد السياسي بمعزل عن الوضع الإقتصادي. فبالنسبة إلى الحزب هناك وضع يد على البلد من «حزب الله» يتظهّر يوماً بعد يوم أكثر فأكثر.
أمّا بالنسبة إلى المشكلات التي يعتبر البعض أنها تُشكّل خطراً وجودياً، مثل أزمة النازحين السوريين، فبعد المسار الإخفاقي الذي سلكه هذا الملف، تعتبر الكتائب أنّ الحل الوحيد لهذه المسألة هو «التواصل مع الدول المحيطة بنا لتستضيف وتستقدم أعداداً من النازحين الموجودين في لبنان، فعودتهم إلى سوريا ليست في يد لبنان إذا كان بشار الأسد لا يريد أن يعيدهم. ومن غير المقبول أن يحمل لبنان هذا الوزر بمفرده، والطريقة الوحيدة المتبقية هي أن تستقبلهم دول شاسعة بدلاً من أن تستقدم يداً عاملة من بلدان أجنبية بعيدة. وهذا دور وزير الخارجية والمغتربين».
لا يبدو أنّ الكتائب في المستقبل القريب، هي في وارد التحالف أو التسوية مع أيٍّ من أركان السلطة التي تفاوض بالنسبة إليها على التفاصيل والمصالح الضيقة لا على السياسة الإستراتيجية مثل السياسة الخارجية وسلاح «حزب الله». لكن ألا يُعتبر حزب الكتائب قد خسِر سياسياً، فيما نجحت الأحزاب الأخرى في الوصول إلى السلطة؟
يردّ مسؤول كتائبي على السؤال بسؤال: «ما هو معيار النجاح؟ هل هو التواطؤ مع السلاح ضد البلد؟ وإذا كان المعيار بناء دولة وتأمين حياة كريمة للناس فجميعهم أخفقوا. أمّا إذا ربح طرفٌ الانتخابات، لكن البلد خسر، هل يُعتبر أنه نجح أو أخفق؟ وإذا نجح الشخص في الوصول إلى مركزٍ ما على حساب مجموعة مبادئ مرتبطة بالبلد ومستقبله وحياة الشباب والمواطنين، هل يكون قد نجح؟».