أياً ما آل اليه تقييم القرار النهائي للمكتب السياسي لحزب الكتائب، وما سيكون عليه الموقف النهائي لوزير العمل سجعان قزي، وهو على ما أوضح أمس، لن يكون في مواجهة الحزب وسيعتمد سياسة تصريف الأعمال في وزارته، فإن مجلس الوزراء، المقرر ان يجتمع يوم غد الاربعاء ويوم الجمعة المقبل، لن يكون بمنأى عن استقالة وزيري الكتائب الشفهية، وان لم تشهد هذه الاستقالة مفاعيل تنفيذية اجرائية وقانونية ودستورية كما يريد رئيس الحكومة تمام سلام.
من حق أي وزير من الوزراء، او أي حزب ممثل في مجلس الوزراء ان تكون قناعاته وآراؤه التي قد تصل الى حد الاستقالة، لكن الظروف الاستثنائية التي يمر بها لبنان، وتمر بها الحكومة تستدعي المزيد من التحوط..
وبصرف النظر عن الجدل الدستوري القائم حول هذه المسألة فإن رئيس الحكومة تمام سلام، دأب، ومنذ وقت غير قصير على ابداء مشاعره جراء الوضع غير السليم داخل مجلس الوزراء.. ومع ذلك »عضّ الرجل على الجرح« مجبراً، لا مخيراً، »وبلع الموسى..« عند كل محاولة لأخذ أي قرار يكون في مصلحة هذا الفريق ولا يكون في مصلحة الفريق الآخر.. او أفرقاء آخرين؟!.
ليس من شك في ان الوضع السائد داخل مجلس الوزراء لا يعود بالخير على لبنان واللبنانيين.. ولكن أمام الخيارات الصعبة لا بد من اتخاذ القرار، وهو المضي في تحمل المسؤولية، بانتظار الفرج الرئاسي.. لاسيما وان الحكومة أمام استحقاقات دقيقة وبالغة الأهمية على المستويات الوطنية كافة، من بينها مسألة جهاز »أمن الدولة« وانتهاء ولاية قائد الجيش العماد جان قهوجي كما الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع ورئيس الأركان العامة، أواخر شهر آب المقبل.. والأخطر بت مسألة النفط والغاز..
المسؤولية تقع على الافرقاء كافة الممثلين في مجلس الوزراء، ومن باب تسخيف الأمور حصر المسألة بأن تكون الاستقالة خطية، او شفهية لتكتسب مشروعيتها.. لاسيما وان لقادة حزب الكتائب، وتحديدا رئيسه النائب سامي الجميل حساباته الأبعد من استقالة وزير او استمرار المشاركة في الحكومة، أقله في هذه المرحلة، والبلاد على أبواب الانتخابات النيابية كما هو مفترض، والجميل على قناعة ان الانتخابات البلدية، وفرت له وبدعم من النائب ميشال المر، فرصة ذهبية لا تقدر بثمن..
لنعترف، ان ما قاله الوزير سجعان قزي خلال اليومين الماضيين كان مفاجئاً للغاية.. والرجل يقول كلمته من موقع من أمضى في الحزب قرابة نصف قرن من الزمن، ولايزال متمسكاً به.. وهو يميز بين الحزب وأي مسؤول فرداً كان أم مؤسسة.. وقد تكون هي من المرات القليلة التي يخرج فيها قياديون عن »خيارات الرئيس« الذي من بين أحد أبرز أسباب قوته أنه حفيد مؤسس الحزب بيار الجميل، وأبن رئيس جمهورية سابق ورئيس سابق هو أمين الجميل.. ولم يمضِ علی وجوده في رئاسة الحزب أكثر من سنة..
قال قزي وجهة نظره.. وهو متمسك بقراره النهائي تحمل المسؤولية داخل مجلس الوزراء لا الهروب من المسؤوليات… وهي مسألة أحرجت أبن الجميل، الذي بالتأكيد يحظى بغالبية أعضاء المكتب السياسي.. لكن، وبعيداً عن طاولة المجلس، فإن عدداً غير قليل من أعضاء المكتب السياسي قدروا في الوزير قزي (أبن أبيه الكتائبي أيضاً) هذه الشجاعة غير المسبوقة في قول »لا«.
يتطلع قزي الى المستقبل، بغير المنظار الذي يتطلع اليه الجميل، وهو يعرف، ان الاستقالة، على هذا النحو لن تكون في مصلحة الحزب، على رغم محاولات رئيس الحزب المتكررة اللعب على الألفاظ ومحاكاة عواطف البيئة السياسية والديموغرافية التي ينتمي اليها.. لكن في حسابات الوزير المطلوب منه أي يستقيل، فالمسألة ستكون أكثر احراجاً مما يحتسب كثيرون.. ولعل النقطة المركزية في ذلك هي كيف سيتم التعاطي مع حلفاء الحزب، اذا ثبت قرار الخروج من الحكومة.. وبالتالي كيف سيتم الرد على المتسائلين والحزب كل رصيده ثمانية نواب وقد حظي بثلاثة وزراء، في وقت ان هناك كتلاً نيابية أكبر حجماً من الكتائب وتتمثل بوزيرين فقط؟!
إن فعالية، او عدم فعالية الوزير ليست بالأمر الهين، والحكومة، منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، أليست »ثوب العيارة« وبات كل وزير مجلس وزراء، وكل وزير رئيساً. واذا كان هناك من يحق له ان يصرخ بأعلى صوته، فبالتأكيد ليس »الكتائب«. خصوصاً ان لبنان، يمر بمرحلة غير مسبوقة على هذا النحو في مواجهة التحديات الخارجية المتعددة العناوين والمصادر، كما والداخلية التي لا تقل خطورة..
ليس من شك في ان حزب الكتائب سيجد نفسه في عزلة حقيقية ان مضى في خيار المقاطعة ولا مصلحة له في ذلك أياً كانت الأسباب والمبررات والدوافع والاهداف المباشرة والبعيدة المدى، خصوصاً وان هذا الاسبوع ملىء بالمواعيد، من »الحوار الوطني« الشامل لرؤساء الكتل النيابية كافة، والتي حزب الكتائب أحد أعضائها، الى »الحوار الثنائي« بين »المستقبل« و»حزب الله«، الى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الى جلستي مجلس الوزراء وعلى جدول الأعمال مجموعة ملفات أساسية تنتقل من جلسة الى جلسة.. وتقصير الحكومة في المعالجة واضح وجلي ولا يحتاج الى أي براهين وأدلة.. وهي تعاملت مع غالبية هذه الملفات باستخفاف بل وبإهمال ولا مبالاة، حتى بعد حصول المشكلة، على نحو ما حصل في موضوع العقوبات الاميركية على »حزب الله«..؟! كما وفي قضية الثروة النفطية والغازية التي هي جزء من الأمن الاستراتيجي الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بل والأمني للبنان.. وذلك بعيداً عن نظامية الحزب التسلسلية التي من واجب العضو ان يطيع القرارات والا اعتبر متمرداً..