الأرجح أنّ رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميّل مصاب بالضياع هذه الأيام. يُقلّب أوراقه وأرقامه رأساً على عقب بحثاً عن الأسباب الحقيقية التي حصَرت الحزب الذي كان يمتدّ على طول الوطن، بدائرة المتن الشمالي فقط، إذا ما أخذنا في الاعتبار أنّ فوز ابنِ عمّه نديم له اعتبارات خاصة.
يحتار الشاب كيف يقيس هذه الخسارة المدوّية. هل يقيسها بميزان السياسة، التي يتحمّل هو مسؤوليتها بعدما وضع الحزب في مواجهة الخصوم والحلفاء على حدّ سواء، فلن يجد من يعينه أو يمدّ له يد المساعدة بعدما قرّر الانقلاب على الطبقة السياسية بكاملها، ليعود وينقلب على نفسه ويتحالف مع بعض من هذه الطبقة… فيقدّم حزبَه بحلّة المتردّد، غير الثابت، الخائف من «تسونامي» الخصوم.
أم يقيسها بميزان الحسابات والأرقام فيحمّل خيارات قيادته والماكينة الانتخابية مسؤولية الفشل والتراجع الشعبي، بعدما غلّبَ المكتب السياسي دفّة التحالف مع «القوات» على غيرها، والتي التهمت الطبَق الكتائبي من دون أن يرفَّ لها جفنٌ؟
يحتار إلى من يعطي عقلَه بعد أذنيه؟ إلى الفريق الحزبي الذي يقول إنّ العلّة في الأساس، في الممارسة السياسية؟ أم يتماهى مع الجهة التي لا تزال تعتقد أنّ التفاهم مع مجموعات «المجتمع المدني» كان أهون الشرور، ولو أنّ جردة السابع من أيار ليست في مصلحته؟
الأرجح أنّ الرَجل يغرق في الأفكار والاتهامات والتناقضات التي تملأ مكتبَه السياسي، ولا يعرف كيف يُخرج نفسَه وحزبه من عنقِ الخسارة الأليمة، ولو أنّها لم تكن مفاجئة.
ولهذا قرّر اعتماد سياسة الأبواب المفتوحة، قبل اتّخاذ القرار النهائي. خلال الأيام الأخيرة راح يكثّف اللقاءات الداخلية ويستمع الى كلّ الآراء والطروحات والتفسيرات. الاعتقاد السائد في الحزب أنّ رئيسَه يبحث عن أفكار بنّاءة تساعده على تجاوز المحنة. وقد يكون آخِر الدواء، «تفجير» كلّ التركيبة الحزبية من خلال الدعوة إلى انتخابات مبكرة.
على هذا الأساس دعا الجميّل أعضاءَ المكتب السياسي إلى خلوة ستُعقد الاثنين المقبل تبدأ عند الثالثة بعد الظهر وتستمرّ حتى العاشرة ليلاً، وتهدف خصوصاً إلى تقييم نتائج الانتخابات وتفنيد الأسباب الى أدّت الى الخسارة ووضعِ خلاصات للمعالجة، إذا كان هناك من إمكانية لذلك.
تتقاطع الآراء داخل القيادة الكتائبية حول سوء الإدارة، لكنّها تتباين حول صحّة الخيارات التحالفية. أمام السبيل لتجاوزِ الأزمة فلا يزال قيد التفكير. رئيس الحزب رمى خلال اجتماع المكتب السياسي الاثنين الماضي فكرةً «تفجيرية»: الدعوة الى عقد مؤتمر عام ينتهي بالتصويت على إجراء انتخابات مبكرة تجدّد القيادة الحزبية، وليس فقط المكتب السياسي، بعد تقصير ولاية الأجهزة القائمة.
حتى اللحظة لم يتبلور أيّ طرح. ينتظر الكتائبيون مداخلة رئيسِهم الاثنين المقبل ليُبنى على الشيء مقتضاه. هناك من يعتقد أنّ طرح الانتخابات المبكرة هو بمثابة «صدمة» يريدها الجميّل الإبن في الحزب لتجاوزِ المحنة ولكي لا يتسنّى للمحازبين المعترضين على أدائه، مساءلتَه كونه يتحمّل مسؤولية سلوكية الحزب السياسية.
وثمّة فريق آخر يعتقد أنّ الجميّل يسعى لوضع يدِه على المكتب السياسي الذي فرَض عليه خيارَ التحالف مع «القوات» وسبَّب الأرقام «الكارثية»، وهو يريد تجنُّبَ هذا السيناريو في المستقبل.
هكذا، حوَّل سامي الجميّل الأنظار في اتّجاه الحالة الحزبية ليفتحَ الورشة الداخلية، فيما المشاورات الخفيّة بين القوى السياسية تغرف من معجن الحكومة. ومن الطبيعي أن لا يعطيَ الجميّل أهمّية لهذا الملف طالما إنّ احتمال توزير كتلتِه غير قابل للحياة، ليس فقط لأنّ عديدها قد لا يسمح لها بأن تكون ممثّلة في الحكومة، بل لأنّها لن تجد حليفاً يجيّر لها بعض النقاط الداعمة لكي تكون حاضرةً حكومياً.
فكتلة «المردة» مثلاً تتألف من ثلاثة نواب في شكل أساسي، لكن هناك كثير من الأصدقاء الذين سيرفدونها بالمقوّيات لتكون شريكةً في الطاولة التنفيذية. أمّا حزب «الكتائب» فينتظر معجزةً من السماء تضع «القوات» خارج الجنّة الحكومية، ليكون بديلاً ولو غير متكافئ. أمّا غير ذلك، فقد ولّى زمنُ الترف الحكومي.