IMLebanon

الكتائب في أزمة: الصيفي في مواجهة الرأي العام

مُعظم القوى السياسية النافذة في المتن وكسروان روّجت أنّ الحل الوحيد أمام أزمة النفايات هو في مطمر برج حمود، وإلا فإغراق الشوارع في الزبالة. لاقى هذا الخطاب رواجاً لدى الرأي العام، الذي «صدّق» أن من يتحمل مسؤولية الأزمة هو سامي الجميّل. الحزب الذي منع إقامة جبل جديد للنفايات في برج حمود، يخوض اليوم معركة لإقناع الناس بـ«براءته»

«إبراء» النائب سامي الجميّل للمتورطين في ملّف النفايات «مستحيل». بدا واثقاً في مؤتمره الصحافي في مجلس النواب أمس، وهو يقول: «لن نوفر أحداً، ومن بيته من زجاج لا يرشق بالحجارة. لا أحد يُمكنه أن يغبّر علينا بقشّة، ومن يُرِد فليحاول».

فهو لا يزال مُصراً على عدم القبول بالحلول المؤقتة «ما دام توجد بدائل»، هكذا يقول كتائبيون.

التحرك الذي بدأه حزب الكتائب في 11 آب، لجهة وقف الأعمال في «الموقف المؤقت» في برج حمود، الذي سيتحول إلى «جبلٍ ثانٍ» من النفايات، أثمر «انتزاع» اجتماعٍ أول للجنة المال والموازنة الاثنين الماضي. وهو اجتماعٌ أتى «مُتأخراً» بعد أن قرّرت كل التيارات والأحزاب «تطويع» الجميّل سياسياً عبر «رفض المشاركة في التحرك الرافض لمكب برج حمود». حتى منظمات المجتمع المدني، التي اعتصمت أسابيع عدة رفضاً لخطة النفايات، رفضت أن تكون في الكادر نفسه مع طلاب الكتائب الذين يعتصمون في برج حمود. «المهم أن نعمل في الاتجاه نفسه، وأن لا نعود إلى النقطة الصفر»، يردّ الكتائبيون.

لا يوافق رجال الصيفي على أنهم هم أيضاً «استفاقوا» أخيراً على «الكارثة» التي يعيشها اللبنانيون، يوم كان بإمكانهم قبل ثمانية أشهر الانسحاب من الحكومة مع التيار الوطني الحر ورفض «الحلّ المؤقت». اللازمة نفسها يُرددها هؤلاء: «لا يجب أن نُقارن بين الوضع النفسي وكمية النفايات التي كانت في الشوارع في حينه، بوضعنا اليوم. في حينه، كان من الضروري رفع الزبالة من الشارع. اليوم الظروف تغيرت ولا نريد أن يتكرر الأمر نفسه». الضحك يسود لدى القول إنه «لا أحد يُصدق أننا لا نريد شيئاً، سوى رفع النفايات من الشارع ووقف الضرر على الناس. ومن يريد أن يقطفها فصحتين على قلبه».

خلال اجتماع الاثنين النيابي، وافق رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، على طلب الجميّل «دعوة رئيسَي اتحادَي بلديات المتن وكسروان ميرنا المر وجوان حبيش إلى الاجتماع اليوم من أجل الاستماع إليهما». 48 ساعة «سماح»، استغلّها الجميّل في عقد لقاءات مع رؤساء البلديات المعنية «من أجل عرض أفكار وحلول واضحة في إجتماع الغد (اليوم) وحتى لا يتحجج أحد بأنه لا توجد بدائل». لكن المشكلة أن «هناك الكثير من الضغوط المادية والمعنوية التي تُمارس من قبل المافيا». لا يكشف الكتائبيون أسماء «شبكة المافيا» وتفاصيلها. السبب أن «المعلومات التي لدينا غير مقرونة بدلائل». إلا أنّ كل الأصابع تُشير إلى «الشركات التي ستعمل في المكان ومن يقف خلفها طبعاً». هل سيُقبَل بحلول مؤقتة، كفتح المطمر لأشهر؟ «مطمران في المنطقة نفسها؟ مجانين! هذا المشروع جنونيّ»، يردّ الكتائبيون. المحسوم أنه إذا «سقطت الخيارات التي قدمناها، فسيكون لكل حادث حديث. نحن في صدد دراسة الخيارات، والنزول إلى الشارع أحدها». بيد أنّ هذا الخيار لن يكون لقمة كتائبية سائغة!

لم يعد اللوم يُلقى على مجلس الوزراء الذي تقاعس عن إيجاد حلولٍ للأزمة التي أغرق البلاد بها. كذلك فإنّ الناس لم يُحاسبوا النواب المعنيين الذين لا يجدون من مخرج سوى الخروج على الرأي العام و«تبشيره» بأنّه ليس باليد حيلة سوى إنشاء المطامر وردم البحر، على قاعدة أنه «ليس باليد حيلة»، وإلا فسنغرق في الزبالة. لم تُسأل البلديات عن سبب تقصيرها في إيجاد مساحات تضمّ مصانع فرز للنفايات وإعادة تدويرها، أسوةً ببلديات أخرى قامت بهذه الخطوة. قلّة من الناس استفزها ما قيل في لجنة المال والموازنة يوم الاثنين بأن 90% من النفايات تُطمر من دون فرز. نجح السياسيون والذين يريدون تحصيل الثروات وعقد الصفقات على حساب صحة الناس، في تحويل الجميّل إلى مُتهم «برمي الزبالة في الشوارع وأمام المنازل من دون إيجاد بديل». حزب الكتائب في أزمة حقيقية بعد أن أصبح بمواجهة مباشرة مع الرأي العام. يعي رجال الصيفي جيداً أن «المعركة صعبة لأننا أصبحنا بمواجهة الناس». ذلك لا يعني «الاستسلام للأمر الواقع، فنحن متمسكون بالتغيير ومستعدون لخوض معركة بوجه الجميع، حتى ولو خاصمنا كل الأطراف».

يُسجل للجميّل أنه بادر إلى خوض التحرّك وإلى طرح حلول بديلة لأزمة النفايات، هو الأمر الذي لم يعتده أحدٌ من حزب الكتائب وآل الجميّل، الذين هم أبناء هذا النظام. أهداف التحرك واضحة، ولكنّ ذلك لا يُلغي أنّ الكتائب أرادت من خلاله كسب ثقة «الجمهور» وتقديم نفسها كنموذج لحزب معارض. لا يُنكر الكتائبيون ذلك: «نعم، نريد أن نكون عند حسن ظنّ هذا الرأي العام لأنه ليس لدينا حليف ثانٍ ولا وصي خارجي ولا أجندة خاصة. ومن أهدافنا أن نربح في الانتخابات ويكون لدينا كتلة نيابية متجانسة من أجل أن نفرض التغيير في البلد». لذلك يبدو الهدف الأساسي الآن هو محاولة امتصاص غضب الناس الحانقين من عودة النفايات إلى الشارع بسبب «تهور سامي الجميّل»، كما يُقال، عبر «الشرح لهم أنّنا نُدافع عنهم. لو لم نقم بهذا التحرك، لكانوا اعتبرونا جزءاً من المنظومة. وحين تحركنا، تحولنا إلى متهمين. ما العمل؟».