يجلس النائب سليمان فرنجية في بنشعي مطمئن البال إلى أنه سلّم أمره إلى حليف (حركة أمل) لن يقبل إلا بحصوله على حقيبة وزارية ترضيه. يعتدّ «البيك» بنفسه، لأنه يعلم أن رفضه المشاركة في الحكومة سيدفع حلفاءه إلى التضامن معه. في المقابل، يبدو حزب الكتائب كمن تُرك وحيداً، يتعرض لمحاولة إلغاء سياسية. الأزمة ليست محصورة بالكتائب، بل بمشروع فريق 14 آذار الذي خسر رهاناته، فكانت الصيفي الحلقة الأضعف
الخطوات السياسية التي رافقت التسوية الرئاسية خلطت أوراق التحالفات. حُكي الكثير عن اندثار صيغتَي 8 و14 آذار التقليديتين، وأنه لم يبقَ منهما سوى شذرات من الحنين تجتاح الأنفس عند كل مناسبة، خاصة لدى 14 آذار وأمانتها العامة التي تحولت إلى لاعبٍ هامشي بفضل جهود أعضائها.
كان الوضع على هذه الحال، حتى أتى موعد تشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري. أعلن حزب الله على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله أنّه فوّض إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، التفاوض باسم الحزب وحركة أمل. كذلك ربط مشاركة حزبه في الحكومة العتيدة بمشاركة «أمل». برّي يتولى أيضاً قيادة حركة «المحرومين»، فيسعى إلى الاستحصال على حصة ترضي تيار المردة والحزب السوري القومي الاجتماعي… وحزب الكتائب! لا إيماناً بمشروع «الله، الوطن والعائلة»، بل التزاماً لبري بضرورةَ أن تكون الحكومة جامعة. أعيد إحياء فريق 8 آذار، بصيغته التقليدية التي تشكلت يوم 8 آذار 2005، وشُدّت الروابط بين أعضائه (ليس التيار الوطني الحر واحداً منها، بل هو حليف لها). ظهر وكأنّ التسويات لم تلوِ سوى ذراع فريق 14 آذار. أبلغ دليل على ذلك، الطريقة التي يُعامل بها حزب الكتائب في ما خصّ تشكيل الحكومة من قبل حلفائه.
لم يكن جديداً ما أدلى به رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل عن أنّ القوات اللبنانية تسعى إلى إقصاء حزبه وعزله. المستغرب كان أن يخلع الجميّل قفازَيه للمرة الأولى وهو يتحدث عن معراب. يُمكن المقارنة بين وضع الكتائب داخل فريقه الذي يسعى إلى إبقائه خارج الحكم وبين تيار المردة الذي يجد نفسه مستنداً إلى جبل في معركته الوزارية، ومستعد لأن يُعطل البلد كرمى لعيني فرنجية.
قبل فترة، تلقّى سامي الجميّل نصيحة من أحد السياسيين، مفادها: «أنت لست سليمان فرنجية. لا ترفع السقف عالياً». المقصود أنّ نائب زغرتا ينتمي إلى حلفٍ صلب بات اليوم المرجعية السياسية الأولى في البلد، إن كان في الانتخابات الرئاسية (تشدّد حزب الله) أو في فرض إيقاعه على تأليف الحكومة (شروط برّي). في حين أنّ الجميّل، الذي «هُزم» شعبياً في معركة النفايات وطوِّق سياسياً بعد استبعاد نفسه من التفاهم القواتي ــ العوني، واستقالته من حكومة تمّام سلام، يبدو كمن يدفع ثمن تمايزه عن الفريق الذي انتمى إليه وقدّم في سبيل مشروعه شهيدين.
لا يبدو أنّ المجموعة التي تفاوض حكومياً تضع في سلّم أولوياتها التمثيل الكتائبي، إذ تعمل حالياً على تذليل عقبات أخرى. صحيح أنّ الحريري يرغب في أن تتمثل الكتائب في الحكومة، لكنّ ذلك لا يعني أنه سيُعطل تشكيلها إذا تدللت قيادة الصيفي. بيد أنّ مصادرها تؤكد إصرار «الحريري والتيار الوطني الحر على مشاركتنا في الحكومة. ونبيه بري يهمه أن يكون لنا حصّة لما نُمثله ولرمزيتنا. الطرف الوحيد الذي لا يريدنا هو القوات اللبنانية». وللمفارقة، لا تُناقش القوات مشاركة خصمها الأول حزب الله في الحكومة، ولكنها تتحسس من مشاركة الكتائب. المفاوضات مع الصيفي تجري حول حقائب غير أساسية، كالصناعة أو الشباب والرياضة أو الشؤون الاجتماعية. أما الحزب، فقد اشترط حصوله على حصة موازية لحصة القوات اللبنانية، إن كان توزيع الحقائب يجري بناءً على عدد نواب كلّ فريق. مثلاً، إذا حصلت القوات على 3 وزراء (كتلتها من 8 نواب)، يريد الكتائب الذي لديه 5 نواب حقيبتين. وإذا انخفض التمثيل القواتي إلى حقيبتين، ترضى الصيفي بحقيبة واحدة فقط لا غير!
وفي مقابل اتهام الجميل لحلفائه (السابقين) بمحاولة عزله، يحمّل كثيرون الكتائب نفسه مسؤولية المصير الذي يلقاه حكومياً. فهذا الحزب كان عضواً في الأمانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار مع وقف التنفيذ، ولا تجمعه مع بقية الأعضاء سوى الشعارات الرنانة عن مقارعة «العدو السوري». لكن عملياً لم يكن لديه حليف حقيقي يستند إليه في زمن الصعوبات.
وبعيداً عن تقاذف التهم، من الواضح أن الأزمة أبعد من العلاقة بين الكتائب و14 آذار. هي أزمة فريق بأكمله، ارتضى أن يتصرّف كفريق «مهزوم» في الداخل بعدما فشلت رهاناته الإقليمية، مقابل تثبيت حزب الله وفريقه اللاعب الأقوى محلياً. أما القوات، فعرفت كيف تستلحق نفسها بالتسوية، فتظهر شريكة للعهد مباشرةً، ولحزب الله بطريقة غير مباشرة، رغم فعل المكابرة الذي تمارسه.