«أبغض الحلال» في «البيت المركزي» يحيل قزّي للتقاعد
«الكتائب» من «نار» الحكومة إلى «جنة» الشارع
من يدرك خبايا العلاقة المتوترة بين سامي الجميل وسجعان قزي والتي لم تعرف يوماً طريقاً الى الوئام او التفاهم، لا يتفاجأ بالحائط المسدود الذي بلغته، خصوصاً أنّ «الرفيقين» كانا متأكدين أنّهما سيقفان في يوم من الأيام على مفترق طرق سيأخذ كل منهما بدرب… وها هو المفترق يفرض نفسه مع الاستقالة من الحكومة.
عملياً، لا حاجة لمن يخبر الوزير «المتمرد» أنّ رئيس الحزب لم يهضمه يوماً ولم يبلع أداءه الوزاري ولا حتى الحزبي، وأنّ حصوله على لقب المعالي هو آخر حبّات العنقود الكتائبي التي ستقدّم له. ولا داعي لمن ينذره بأنّ سامي الجميل ينتظره من زمن على كوع الزحطات كي «يتخلّص» منه نهائياً، ويحيله الى قسم «القدامى» من حاملي أزرار الحزب وذكرياته.
ولا ضرورة لإبلاغ رئيس الحزب أنّ وزير العمل لا ينتظر منه أكثر مما ناله حتى اليوم من الحزب من «جوائز ترضية»، وبأنه يتصرف على أساس أنه بلغ سنه التقاعدي في الحزب، ولم يعد هناك شيء ليخسره. وبالتالي لا جدوى من استدعائه الى حلبة الكباش، لأنّه سيغيّر مسبقاً قواعد اللعبة، وسيفرض الشروط التي تناسبه.
هكذا فُهمت لعبة الاستفزاز الممنهجة التي مارسها الكتائبي العتيق بحق قيادته، مصراً على السير بعكس الرياح التي تهيئ لها الصيفي. في البيت المركزي كانت القناعة راسخة بأن الحكومة باتت عبئاً ثقيلاً تأخذ من أمام الحزب أكثر مما تعطيه، لا بل هي لا تعطيه شيئاً. لذلك كان لا بدّ من وضع العصي في الدواليب.
وفق المتابعين، كان التوجه الى نوع من الاعتكاف، أو الاستقالة السياسية طالما أنّ رئاسة الجمهورية شاغرة ولا رئيس لوضع الاستقالة الخطية أمامه، ولا مانع في هذه الأثناء من السماح بقسط بسيط ومحدود من تصريف الأعمال من المنزل، خصوصاً أنّ الدستور لم يأت أصلاً على ذكر حالة تصريف أعمال لوزير، لأنّ هذه المهمة هي من صلاحيات حكومة مستقيلة فقط.
بهذا المعنى، لم يكن في نية القيادة الكتائبية الذهاب نحو خيارات متشددة تقطع بها «حبل السرة» مع الحكومة، غير أنّ الاستفزاز الذي مارسه قزي قولاً وفعلاً خلال الأيام القليلة الماضية، و «انتقادات المياعة» التي تعرّض لها الحزب متهمة اياه بـ «الضحك على ذقون» الرأي العام بخطوة استقالة لا تقرّش في السياسة، وهي من باب المزايدة لا أكثر… دفعا بالبيت المركزي الى ارتكاب «أبغض الحلال».
عملياً، أحرج سامي الجميل، مع أنه استفاد من هذا الإحراج كي يُنزل أثقال سجعان قزي عن كتفيه. ما صار يعنيه بعد مرور أسبوع على تقديم الاستقالة هو فرض الانضباط في حزبه خوفاً من تمدد حالة العصيان التي أطلقها وزير العمل. وكان لا بدّ من إجراء حاسم يمنع أي كتائبي آخر من سلوك درب سجعان قزي، أو التفكير حتى بمواجهة قيادته.
ولهذا بدا الرئيس امين الجميل متفهماً لقرار المكتب السياسي بفصل الوزير، كما يقول كتائبيون، ولم يقم بأي خطوة معاكسة، مكتفياً بالنصيحة التي قدمها لمستشاره بالانصياع لقرار القيادة. أما غير ذلك، فقد ترك الأمرة لنجله سامي ليثبت أنه الآمر الناهي في البيت المركزي في الصيفي، ولا خيمة فوق رأس أحد.
ليس لهذا السبب فقط، فقد ارتاح سامي أيضاً لمسار الأمور، بعدما حرر يديه من قيود الالتزام بحكومة تسحب من رصيده ورصيد حزبه وهي على سرير الموت. صحيح أنّ خروج «الكتائب» من السلطة التنفيذية لن يقضي عليها كونها تتمتع بما يكفي من حصانة اقليمية ودولية ما يسمح بأن تكمل طريقها ولو كانت عرجاء، ولكن في المقابل سيتسنى للنائب الشاب أن يتحضر نفسياً وحزبياً للنزول الى الشارع.
منذ مدة غير قصيرة يشعر سامي الجميل بأنّ حراك المجتمع المدني يعكس المزاج العام للبنانيين ويعبر عن سخطهم ورفضهم للطبقة السياسية، ويخشى من أن تسحب هذه المجموعات غير المؤطرة البساط من تحت أقدام الأحزاب والتيارات السياسية. بالقريب العاجل سيتماهى رئيس الحزب مع الحراك الشعبي، وسيترك مكتبه في الصيفي ليقود كتائبييه الى الشارع اعتراضاً على كل شيء.. وأول شيء هو الحكومة!