Site icon IMLebanon

«الكتائب» يعوّض «ديموقراطيته» المفقودة.. بمعركة المكتب السياسي

لا حاجة ليتقدّم سامي الجميل بترشيحه رسمياً لرئاسة الحزب، كي يتعامل كتائبيو «البيت المركزي» مع المسألة على أنها امر واقع ستجرّ وراءها مقتضيات مغايرة لتلك التي كانت سائدة. التدبير الشكلي لن يقدم او يؤخر طالما أن ما كتب قد كتب.

كما أن صعوده الى أعلى رأس الهرم الحزبي لن يكون غريباً طالما أنّ ظاهرة التوريث داخل البيوتات السياسية اللبنانية تشقّ طريقها بسلاسة، من دون أي اعتراض يذكر. هكذا، ارتضى الكتائبيون بالقدر الذي رسمه لهم أمين الجميل. بعضهم عن مصلحة، والبعض الآخر لغياب البديل، وثمة قلة تنتظر بشيرأً ثانياً منقذاً..

يتحضّر «الشيخ» ليجلس على الكرسي الأولى. لتلك الخطوة مشجعون ومتحمسون ولها أيضاً ناقمون. ولكن بينهما كُثر ممن يعترفون أنّ الشاب قام بواجبه كاملاً مذ عودته الى «البيت الابوي» عبر تمتين علاقته بالقواعد الكتائبية وإحاطة نفسه بفريق عمل نشيط وتحضير الأرضية جيداً ليكون رئيساً بعد 15 عاماً بالتمام والكمال من حمله البطاقة الحزبية، طبقاً للشرط الوارد في النظام الداخلي.

ولكن، ثمة معارضين يعتبرون أنّ ما يحصل اليوم هو نتيجة حتمية للاتفاق الذي عقد منذ زمن مع كريم بقرادوني والذي كان يقضي بأن يتولى بيار الجميل الرئاسة، إلا أنّ يدّ الغدر التي اغتالت الوزير الشاب عدّلت في المشروع، فجُيّر الاتفاق الى سامي الذي اشترط، للعودة الى «البيت المركزي»، بأن يتولى الدفة في اللحظة التي يتيحها النظام الداخلي. وهكذا حصل، وفق سيناريو المعارضين.

أنّ يسبقه «الرفيق» بيار عطالله الى تسجيل اسمه في خانة «الطموحين» للوصول الى القمة، فهذا لن يغير في النتيجة المعروفة سلفاً، ولو أنّ للأخير اعتباراته التي أملت عليه القيام بهذه الخطوة، وتساعده على الدفاع عنها بوجه منتقديها.

ومع ذلك يتحضّر عطالله، الذي مضى على «كتائبيته» اكثر من ثلاثين عاماً، للمنافسة وكأنّ بابها مفتوح على كل الاحتمالات. يرفض أن يقال إنّ ما يقوم به هو مجرد فولكلور زائف لإضفاء بعض الديموقراطية على المعركة الفاقدة للنكهة، كما يرفض منطق الاستسلاميين الذين اكتفوا بالشكوى من دون أي مبادرة، وقرروا التعاطي مع الاستحقاق على طريقة «اشهد أني بلغت».

لا بل هو تحدّ جدي بالنسبة له لتسجيل «سكور» وتجميع الحالة الاعتراضية حول ترشيحه، ولإطلاق صرخة بأنّه لا مكان للمبايعة في «الكتائب»، وأنه ثمة فسحة بين الربح المحتم والوقوف تفرجاً، لا بدّ من استغلالها.

هكذا، سيشهد «الكتائب» في اليوم الأخير من مؤتمر الحزب، الذي يعقد على مدى ثلاثة أيام في 12 و13 و14 حزيران، معركة محسومة النتائج لرئاسة الحزب يتوج في ختامها سامي «رئيساً بالوراثة».. بشهادة صناديق الاقتراع. لكنها ستعوّض في المقابل ديموقراطيتها المفقودة بمعركة جدية حول عضوية المكتب السياسي (16 عضواً) ونيابة الرئيس.

حتى الحراك الاعتراضي الذي حاول نديم الجميل التعبير عنه من خلال تجميع المتضررين من التحوّل الانقلابي في رأس الهرم، انتهى الى مصالحة موثقة بالصورة انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتدحض أي رهان على «فقاعة الصابون» التي كان يريد ابن بشير رميها في المؤتمر. اذ استبق سامي تململ «ذوي القربى»، بجلستين أو اكثر عقدهما مع ابن عمه لجرد كل المحطات الخلافية بينهما وتوضيح وجهات النظر منها. وبالفعل، يبدو أنّ صفحة جديدة فتحت بين الشابين فصلت بين مناكفات الماضي، وحسابات المستقبل.

ويقول أحد الكتائبيين إنّ تكبير حجر الخلاف بين «الجميليين» هو سذاجة مطلقة. يكفي أن يستدعي الرئيس أمين الجميل، أو السيدة صولانج الجميل، الشابَين الى مائدة الغداء حتى تعود المياه الى مجاريها، ويصير بقية الكتائبيين خارج الدائرة.

ومع ذلك، تبقى لمعركة المكتب السياسي ونيابة الرئيس نكهتها الخاصة. يفاخر الكتائبيون بما لديهم من ارث مؤسساتي تعجز بقية الأحزاب والتيارات المسيحية عن تكريسه، على الرغم من الملاحظات والتجاوزات والإلتفاف أحيانأً على القانون. بنظرهم، العمل بالنظام، الذي صار عمره أكثر من سبعين عاماً مستمر، وهنا الأهمية.

يوم الثلاثاء الماضي، فتح باب الترشح. ولكن قبل الموعد الرسمي كانت جدران الصيفي تعجّ بعجقة ترشيحات لفظية بين من يحاول جس النبض وآخر يختبر ردة الفعل، لتظهر حماسة استثنائية على دخول حلبة المنافسة على المواقع القيادية.

هنا، يؤكد المقربون من النائب المتني أنّ ما يحكى عن لائحة معلبة ستكون مفضلة عند سامي، هو أمر منافٍ للواقع، وضد مصلحته. إذ إنّ معظم الكتائبيين الذين أعربوا عن حماستهم للترشح للمكتب السياسي هم من المقربين منه، وبالتالي إنّ تزكية أحدهم على حساب آخر سيضرّ بسامي بعد تسلمه الرئاسة. ولهذا هو يترك اللعبة تأخذ مجراها، وينأى بنفسه عنها.

يضيف كتائبي آخر إنّه ليس بإمكان النائب المتني أنّ يمون على كل مندوبي المؤتمر (330 منتخباً وأكثر من 70 عضواً حكميين) كي تأتي النتيجة وفق حساباته الضيقة، فيما لو وجدت. صحيح أنّه يعرف مندوبي المتن فرداً فرداً ولكن سيصعب عليه وعلى ماكينته الانتخابية أنّ تطوّع كل المشاركين في المؤتمر لمصلحة لائحة يختارها هو. لذلك، فالحلبة ستكون متاحة لمنافسة جدية.

كذلك الأمر بالنسبة لنائبي الرئيس. حتى اللحظة، ليس هناك من ترشيحات رسمية، وانما مشاريع مرشحين: سليم الصايغ، ساسين ساسين، طنوس قرداحي وغيرهم. كل ذلك يؤشر الى حماوة المعركة التي ستحصل على الموقعَين الثاني والثالث في الحزب.

هذا في الداخل، أما خارج البيت المركزي، فالمعارضة تتحضر بدورها للقيام بحراك اعتراضي ما يسلط الضوء على وجهة نظرها. عملياً، ليس هناك معارضة كتائبية موحدة. ثمة كتائبيون معارضون يحاول بعضهم تجميع المتضررين مما يحصل في الصيفي. يجرون اتصالات ببعض القدامى والأسماء التي لها رمزيتها، على أمل الاتفاق على مشروع موحد يقول لكتائبيي البيت المركزي: لا للعائلة، نعم للمؤسسة.

وفي هذه الأثناء، يحضر فريق سامي ورقته السياسية لطرحها أمام المؤتمر بعناوين تشبه خطاب الشاب مذ اعتلائه المنبر: اللامركزية الموسعة، حياد لبنان ومكافحة الفساد.