بعد صمت الانتخابات وقراءة نتائجها وإعطاء الفرصة للحكم على أداء مختلف، انسحب أمس رئيس الكتائب النائب سامي الجميل من اجتماع لجنة البيئة في مجلس النواب، وانسحبت معه النائب بولا يعقوبيان اعتراضاً على الاتّجاه لإقامة محرقة النفايات في الكرنتينا.
لم يأمل حزب الكتائب الصامت والمنتظر أن يتغيّر الأداء السلطوي، لكنه تحفّظ عن إعلان رأيه بتشكيل الحكومة واستقبل رئيسه موفد الرئيس ميشال عون الوزير الياس بو صعب الذي حمل عرضاً مرفوضاً سلفاً في الشكل: مقعد وزاري للحزب من حصة رئيس الجمهورية على أن تكون الكتائب من حصة الرئيس سياسياً وتحالفياً، وفي المعلومات أنّ النائب الجميل رفض العرض بلياقة، فحزب الكتائب عندما يتمثل في الحكومة، يكون قد تمثل بموقعه وحجمه وتاريخه وليس من حصة أحد، والحكم على أداء العهد يكون حسب المواقف، دعماً أو معارضة.
أوّل المؤشرات التي ترجّح اتجاه الكتائب لعدم المشاركة في الحكومة، ما صدر عن الرئيس امين الجميل الذي مازال سياسياً الرئيس الأعلى للحزب، وراسم ضوابطه. فالرئيس الجميل عندما يصف أداء الرئيس ميشال عون بأنه منحاز، إنما يكون قد تجاوز اعتبارات كثيرة، وبقّ بحصة كبيرة لم يكن ليبقّها، باعتباره رئيساً سابقاً للجمهورية وابناً لمدرسة تحاذر انتقادَ رئيس الجمهورية، وتحافظ على موقع الرئاسة. وحتى يقول الرئيس الجميل هذا الكلام فهذا يعني أنّ الاستياء من أداء العهد تخطّى المواقف المتحفّظة ليظهر الى العلن، على الأقل للمرة الأولى في عمر التوازنات النيابية التي أفرزتها الانتخابات.
في المعلومات أنه بات مرجّحاً أن يكون حزب الكتائب خارج التشكيلة الحكومية بقرار منه. فالنائب سامي الجميل طرح تساؤلات حول التوزير وطريقة تشكيل الحكومة، وهو يرى أنّ هذه الحكومة يتمّ تشكيلُها وفق قاعدة الصراع على الأحجام، وليس الاتّفاق على مشروع إنقاذ وطني واقتصادي، فلا هذه القوى متّفقة على النأي بالنفس ولا على موضوع اللاجئين ولا على سلاح «حزب الله» ولا على الحدّ الأدنى من برنامج إقتصادي إنقاذي وبالتالي فإنّ دخولها في حكومة واحدة سيؤدّي حتماً الى تفجّر الخلافات داخل الحكومة والى شلل العمل الحكومي، أو بأسوا الاحوال الى التفاهم على صيغة «مرّقلي لمرّقلك»، التي أخرجت الكتائب من حكومة تمام سلام.
من هنا بدا واضحاً أنّ اعتراض النائب الجميل على محرقة الكرنتينا التي أُقِرّت من دون السماح بالنقاش، هو نفسه الاعتراض على ردم النفايات في البحر من دون نقاش، كما هو نفسه الاعتراض على ملف البواخر، وإفشاله من خارج الحكومة، وبالتالي هو اعتراض على أداء متكامل، من الصعب أن يتحوّل الى قدرة على المشاركة في حكومة مرسومة اجندتها الاقتصادية والسياسية سلفاً، فالاعتراض داخل الحكومة في حال المشاركة سيتحوّل هو ايضاً الى صوت صارخ في برّية هذا الأداء المستمر.
لا يخفى أنّ هناك اصواتاً في الكتائب تدعو الى التريّث في إعلان عدم المشاركة في هكذا حكومة، وأنّ رئيس الكتائب متحفّظ إلى الآن ولا يريد إعلان موقف نهائي بانتظار التشكيل، ولا يخفى أيضاً أنّ اصواتاً تميل الى دعم العهد من منطلق الحرص على دعم موقع الرئاسة، لكنّ الواضح أنّ ظروف تشكيل الحكومة لا تتيح للكتائب خيارات كبيرة للتفكير بما هو معروض عليها.
وفي المعلومات أنّ الكتائب ستتجنّب إعطاء ذريعة لمَن سيطعن في معارضتها، عبر تجنّب الظهور بمظهر المساومة «على أيّ حقيبة نريد»، للقول بأنّ عدم اشتراكها في الحكومة كما في الحكومة الحالية، سببه حرمانها من الحقائب المهمة، ولهذا ترجّح المعلومات أن يكون الحزب مرة اخرى في المعارضة في مواجهة الملفات الكبيرة التي ستتولّى هذه الحكومة تمريرها.