في مذكرات الرئيس بشارة الخوري نقرأ: «حين أطلق حرّاس حزب الكتائب النار على عمّال في المرفأ دهمتْ قـوَّةٌ من الشرطة بيت الكتائب وصادرت بعض الأسلحة فظَهـر مَـنْ ينـدّد بتحـوّله إلى ميليشيا مسلّحة ضمن الدولة، فاتّخـذ بشارة الخوري قراراً بحـلِّ منظمة الكتائب وأعلن في مذكراته: إنني لم أُضمرْ أيَّ سـوء للكتائب، ولكنّ تقليد الجندية في تلك المنظمات يخلق في المنضوين تحت لوائها نفسية اعتـداء وعنـف لا تتماشى مع المبادىء الديمقراطية ولا سيّمـا في بلـدٍ كلبنان، وكثيراً ما يـرى أعضاء المنظمات شبـه العسكرية أنفسهم أنـداداً للدولـة (1)..»
أذكرُ هذه الحادثة التي تكـرّر نفسها في لبنان فيصبح الخطر عليه من نفسه أشدّ من خطر الآخرين عليه.
ولا تقودني هذه الحادثة إلى المقارنة بين ما كان عليه سلاح الكتائب بالأمس، وسلاح المقاومة اليوم، فالوقائع تخالف الإستنتاج، لأنّ الرئيس ميشال عـون ليس الرئيس بشارة الخوري، ولأنّ سلاح الكتائب يومذاك وسلاح القوات اليوم لا يشكّلان نقطة في بحر ترسانة المقاومة، مع أنَّ حـزب اللـه استطاع أن يستحصل على تغطية لسلاحه من خلال بيانات الحكومات المتعاقبة.
كثُـرَ الحديث في الآونة الأخيرة عن شراء السلاح وتخزين السلاح والتدريب على السلاح، هذا ما حصل ويحصل في لبنان عندما تنهار سلطة الدولة، فيلجأ المواطن إلى حماية نفسه بنفسه… أوْ للذود عن أرضه والوطن كبديل من الدولة المتهاوية، وغالباً من ينتج عن ذلك تكوين مجموعات مسلّحة تتحول إلى ميليشيات، فتنصرف عن مواجهة الأخطار المحدقة بالوطن إلى التقاتل فيما بينها بهدف السيطرة والتفوّق السياسي، ويستعصي فيما بعد إندماجها تحت سيطرة الحكم الشرعي إلا إذا تسلّمت هي الحكم كمثل ما أفرزت عندنا حرب 1975.
الحاجة إلى السلاح اليوم تتناقض مع المبررات التي تولّدت سنة 1975، يومها إنهارت الدولة بكل أجهزتها الشرعية والأمنية ، وبالرغم من اهتزاز الثقة اليوم بآلـة الدولة الدستورية، إلاّ أن الشرعية العسكرية والأمنية لا تـزال تتمتّع بالقدرة والثقة.
وقد أعلنت نفسها مسؤولة عن حماية المواطنين في اجتماع مشترك للقيادات العسكرية والأمنية في قيادة الجيش، وهو ما تجسّد في احداث الخميس الدامية.
لا مجال للتسلّح في مواجهة قـوة حزب الله المادية، ولا مجال لذكر «المئـة ألف مقاتل» فالحزب يمتلك طاقات عسكرية واجهت إسرائيل وهو يحارب دولاً ويهدّد دولاً ويحارب في دول.
حزب اللـه يحارب هو نفسه عندما يتحول إلى جيش، فيما أعلن السيد حسن حرصـه على مؤسسة الجيش «على أنها الضمانة الوحيدة لوحدة لبنان».
ويحارب الحزب نفسه عندما يقوم بعمل عسكري في لبنان ضـد أي حزب أو مجموعة أو فريق مهما ارتفعت نسبة العداء ضـدّه وفي هذا يقول السيد: «الدولة هي ضمانة كل اللبنانيين ، لقد سلّمنا رقابنا ودماءنا للدولة والجيش، منعاً للحرب الأهلية والفتنـة» أو كأنما هو يقول بلسان الإمام علي: «دماؤهم كدمائنا ودم الكتابي كـدم المسلم حرام».
بل إنّ أرفع ما يحمله التاريخ من آيات العفو ، ما أوصى بـه الإمام علي الحسن والحسين عندما ضربه إبـن ملجم: «فاعفوا ألا تحبوّن أن يغفر الله لكم « كمثل ما عفـا في حـرب «الجمَل» عن الذين قاتلوه وصلّى على قتلى أعدائه.
ما كان تقاتلٌ في لبنان أيـاً تكن أسبابه إلاَّ كان اللبنانيون كلّهم فيه خاسرين.
نتقاتل بلغة الرصاص ونتصالح بتكاذب اللسان، فنعود إلى التقاتل، لأننا لم نتحاور بلغة القلب والعقل والتسامح التي هي لغة اللـه.
في اعتقادي، ما دام عندنا حـزب اللـه، وبفعل هذه الإمكانات الطائلة في شتـى المجالات وعلى رأسه سيد يتحلّى بشخصية مميزة، قادر هو على أن يحقـق حواراً ميثاقياً في لبنان، هو أشبه بميثاق مدينة يثـرب حين هاجر إليها النبي وكانت فيها المسيحية واليهودية والصابئة «وهي ديانة تـؤلّه الكواكب» فكان ميثاق وقّعتـه الديانات الأربع بإشراف النبي وهو أول ميثاق من نوعـه.
متى يحـقُّ لنا أن نقول:
لو شاء ربـك لجعل الناس في لبنان أمّـةً واحدة…؟
———————————————————
1 – بشارة الخوري فارس الموارنة : وليد عوض – الجزء الثاني ص: 263.