لم يمرّ طرد النائب السابق سامر جورج سعادة إبن رئيس سابق لحزب «الكتائب» مرور الكرام على نطاق واسع. فسامي الجميل، الذي أبعد سعادة عن الترشيح للانتخابات ودعم المرشح مجد حرب نجل النائب السابق بطرس حرب، خسر سامر ولم يربح مجد.
كذلك تصرّف سامي الجميل مع جهاد بقرادوني، الذي تحالف مع «القوات اللبنانية» وفاز بالنيابة في الانتخابات الاخيرة، وكذلك مع العضو السابق في المكتب السياسي الكتائبي ايلي قرداحي، الذي ترشح على لائحة تحالف «القوات» و»الاشتراكي» في الشوف، يُضاف اليهم رفيق غانم الأمين العام السابق للحزب وساسين ساسين، وغيرهم. وكما عرفت «القوات اللبنانية» الاستفادة من أخطاء سامي الجميل في البترون والشوف وبيروت، كذلك استفادت من أخطائه في المتن، وصدمته عشية 15 ايار الماضي بالحصول على مقعدين نيابيين للمرة الاولى في تاريخها في هذه الدائرة الانتخابية.
والسؤال المحيّر، ماذا يفعل سامي الجميل بحزب «الكتائب»؟ ولماذا يصرّ على تدمير ما بناه جدّه المؤسس بيار، وما حافظ عليه والده الرئيس أمين الجميل، من حزب تاريخي الأكثر تنظيماً وانتشاراً؟ وهل أصبح متخصصاً في إقصاء الرفاق والانقلاب على الاصدقاء؟
الكتائبيون القدامى يقولون، انّ من الطبيعي أن يرتكب السياسي بعض الأخطاء في مطلع تجربته، كما فعل سامي الجميل رئيس «حزب الكتائب اللبنانية»، بإقصائه المناضلين الحزبيين الكبار، من مفكرين وعقائديين وأصحاب خبرات تراكمت على مرّ السنين، وهذا من أهم الاسباب التي ادّت إلى تراجع الحزب وانكفائه عن مناطق عدة، لكن سامي لم يتعلّم درساً من هذه التجربة، فيعرّض «الكتائب» لخضّة جديدة بإقصاء قيادات شابة كانت حتى الأمس من أعمدة النضال الحزبي، فهذا يدلّ إلى أن لا حكمة ولا نضجاً لدى من وجد نفسه يذوب محاصراً بين «القوات اللبنانية» من جهة و»التيار الوطني الحر» من جهة اخرى… فضاع في الحسابات واستهوته الشعارات والمزايدات، تخلّى عن رفاقه وأصدقائه في الانتخابات النيابية حالماً بركوب أمواج ما سُمّي «الثورة» لـ»قيادة التغيير»، فإذ به يفيق على تغيير حزبي أشبه بالانقلاب على الذات، فقط لأنّه لا يريد أن يتحمّل مسؤولية الخطأ في حساباته ورهاناته، بل إنّه يعاقب قيادات حزبية خرجت عن قرار «الكتائب» في الانتخابات النيابية، بدل محاورتهم واحتواء الخلافات معهم لمصلحته ومصلحة الحزب.
مصادر كتائبية سابقة تتحسّر على أمجاد الكتائب في اقليم البترون، وتلفت إلى انّ كل ما تمّ تحذير سامي الجميل منه حصل. وإذا ما تمّ تفنيد أرقام التصويت لتبيّن انّ «الكتائب» لم تتمكن من الإيفاء بوعدها لمجد حرب، ولم تتمكن من تأمين سوى 30% من الأصوات الكتائبية له. اما «القوات» فقد حصدت الـ 60% من المساحة الكتائبية، لاسيما وانّ أبناء الجيل الشبابي الذي تقارب أعماره العشرين، فقد استهواهم المجتمع المدني وصوّتوا له، وأكبر دليل انّ ليال بوموسى وربيع الشاعر جمعا 4 آلاف صوت. والسؤال، من أين أتت تلك الاصوات؟
هذا على صعيد البترون، اما على صعيد لبنان، وبحسب مصادر كتائبية سابقة، فإنّ سامي الجميل ذهب بعيداً في السياسة، وحرق المراحل ولم يعد لديه اليوم شيء جديد ليقدّمه، فبقيت كتلته ضعيفة كما كانت، مقارنة مع الاموال التي صُرفت في كسروان لمرشح «الكتائب» سليم الصائغ، لم تحصد له سوى 3 آلاف صوت في أعرق منطقة مسيحية. وهذا الامر لا يُعتبر ربحاً، وبغض النظر إذا فاز أم لم يفز، مجرد ان يحوز حزب عريق كحزب «الكتائب» على 3 آلاف صوت فقط في كسروان فهي نقطة سوداء في سجله، علماً أنّ لائحة نعمة افرام لم تكن في حاجة إلى الـ3000 صوت للحصول على حاصلين، وهذا يعني عملياً انّ النائب الرابع جاء هدية من نعمة افرام للجميل، إذ كان يمكن لافرام ان يأخذه في لائحته ولا يقدّمه الى «الكتائب»…
اليوم يحاول سامي الجميل لفلفة الامور وتجنّب قصة الإقالات داخل الحزب، علماً أنّه من رسم الخطة الانتخابية، وانّ اعتماده طريق الإقالات والإحالات إلى المجالس التأديبية ما هو سوى لرمي مسؤولية الفشل على غيره.
نصيحة كتائبية
الكتائبيون القدامى يقدّمون نصيحة إلى سامي الجميل، فيقولون له انّ عمره 40 عاماً وما زال شاباً والمستقبل أمامه. ويلفتون إلى أنّه حرق المراحل. إذ كان من المفروض عليه ان يخطّط لـ 10 سنوات إلى الامام والقطف بعد 4 سنوات، الّا انّه حرق المراحل وخلق مشكلات داخل الحزب. ولذلك عليه اليوم ان يتعظ من خسارته في أكبر اقليمين كتائبيين: المتن والبترون. ويسألون، أين «الكتائب» من هذين الاقليمين؟ وماذا بقي منهما؟ ويقولون انّ سامي لو اتسم بالحكمة لم يكن في حاجة إلى إعلان المواجهة مع حلفاء، لا سيما انّه عندما تسلّم رئاسة الحزب كان قريباً من كل خصوم اليوم، بدءاً من العونيين وصولاً الى القواتيين.
المصادر نفسها تضيف، انّ مشكلة سامي الجميل هي أنّه لا يقرأ التاريخ ولا يتعلّم منه ولم يستطع الخروج من قوقعة داخلية حصّن نفسه بها. إذ يجب عليه قراءة نتائجه شخصياً وبموضوعية، لإعادة رأب الصدع في الهيكلية وفي الحزب، لأنّ ما يفعله اليوم هو هروب إلى الامام ولا يستطيع الحزب الاسترسال في الطريقة نفسها، لأنّ خطاب الثورة والتغييرين الذي استعمله في معركته عام 2018 قد استُهلك، الّا انّه عاد واستعمله في انتخابات 2022، معتقداً أنّ المواطنين سيتفهمون خطاب «الكتائب» أكثر في ظلّ الأزمة الاقتصادية. لكن اتضح انّ الناس لم تقتنع بخطاب «الكتائب» حتى في ظل الأزمة، والنتائج أكبر دليل. والسؤال، ماذا ترك الجميل للمستقبل؟ لذلك الأجدر به العودة إلى جذور «الكتائب» والإقلاع عن خطاب المجتمع المدني والثورة الذي حاول اعتماده في انتخابات 2018 و2022 ليستقطب اصواتاً أخفق بها، فخسر هو ولم يربح الحزب.
وتضيف المصادر، انّ سامي ليس على وفاق مع بقية أفراد العائلة ايضاً، وانّ الرئيس امين الجميل ما زال حتى الساعة ضابطاً لإيقاع الامور لكي لا تخرج إلى العلن… والخوف إذا نفض يديه.