IMLebanon

حزب الكتائب أسير تاريخه العريق؟

كان الكتائب منذ تأسيسه الحزب المسيحي الشعبي المنظّم الوحيد. أما الأحزاب المسيحيّة الأخرى فتمحورت حول زعامات سياسيّة واسعة الشعبيّة لكنها لم تُنظَّم على نحو يجعلها قادرة على الاستمرار بالقوّة نفسها بعد غياب مؤسّسيها أو في حياتهم. طبعاً دفع الدور الذي قام به الكتائب في “ثورة 1958” ثم في “الثورة المضادة” لها اللواء فؤاد شهاب الذي اختارته مصر عبد الناصر وأميركا لخلافة الرئيس كميل شمعون إلى الاعتماد عليه في الساحة المسيحيّة لإرساء دعائم حكمه الجديد، ولإعادة الاستقرار إلى البلاد، وللبدء في تنفيذ أفكار إصلاحيّة. كما اعتمد على مؤسّس الحزب التقدّمي الاشتراكي وزعيمه في حينه كمال جنبلاط للغاية نفسها. أما المسلمون عموماً فكان اعتماده عليهم كبيراً وخصوصاً بعدما صاروا حصّته في البلاد بعد نيله مباركة الزعيم العربي الذي أحبّوه كثيراً أي ناصر. بقية مراحل تطوّر حزب الكتائب معروفة، ونحن لسنا هنا في صدد التأريخ له. فتلك مهمّة لا يمكن أن يقوم بها إلا اختصاصيّون منه، لكن في صدد الإشارة إلى أن الدعم الشهابي له مكّنه من تأسيس قاعدة شعبيّة سمحت له بإيصال عدد محدود من أعضائه إلى مجلس النواب. وعنى ذلك أن حضوره الشعبي المسيحي لم يكن واسعاً ربّما لأن اللبنانيّين لم يألفوا الحياة الحزبية. لكن عندما بدأ المسيحيّون يشعرون بأخطار الوجود الفلسطيني المسلّح عليهم منذ عام 1969 تركّزت أنظارهم “شعباً” وسياسيّين ولاحقاً مسؤولين كبار على الكتائب، باعتباره مؤهّلاً لمواجهة هذه الأخطار. وساهم ذلك في عسكرته، علماً أنه كان مهيّأ لها بسبب تركيبته وتنظيمه. بعد اندلاع الحرب مع الفلسطينيّين عام 1975 ثمّ تحوُّلها حرباً بين المسلمين والمسيحيّين، بدأ الكتائب وخصوصاً مع ابن مؤسّسه الفتي بشير الجميل يستحوذ على غالبية المسيحيّين خوفاً من الخطر المزدوج الفلسطيني – المسلم. لكن الحرب التي استمرّت نيفاً و15 سنة حوّلت الكتائب “رحماً” خرجت منه “القوات اللبنانيّة” التي أسهم مناخها في ولادة قيادات وزعامات عدّة كان أبرزها ميشال عون الضابط في الجيش الذي صار قائداً له، ثم مؤسِّساً لتيار مسيحي ولاحقاً لحزب اسمه “التيار الوطني الحر”. واللافت أن الشعارات عند “الحزب الأب” وأبنائه كانت واحدة واستمرّت واحدة إلى حين بدأ التنافس على السلطة والنفوذ والمناصب بينهم. فتغيّر بعضهم جذريّاً وبعضهم جزئيّاً. أما الزعامات المسيحيّة الراسخة مثل آل فرنجيه في الشمال، وكانت جزءاً من “جبهة لبنانيّة” مسيحيّة، فقد دفعتها التطوّرات إلى الانفصال والانتقال إلى معسكر “الأعداء” كما كانوا يسمّون خوفاً على شعبيتها ونفوذها من “الاجتياح” الكتائبي والقواتي وليس لأي سبب آخر، ويومها كان الاثنان واحداً.

طبعاً انتهت الحروب عام 1989 بهزيمة المسيحيّين عسكريّاً، وترك ذلك أثره على الكتائب و”قواتها” وعلى العماد عون. لكن المقاومة وخصوصاً الطلاّبية لهؤلاء أعادت لهم حيثيّة شعبيّة رغم استقلال “القوات” عن مؤسّسيها. وبعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري وانتفاضة الاستقلال والتدخّل الدولي والعربي، خرجت سوريا عسكرياً من لبنان وانتعشت الأحزاب المسيحيّة. لكن بدا بعد مرور عقد ونيّف على هذا الأمر أن “تيار عون” و”حزب القوات” صارا الأكثر تمثيلاً شعبيّاً مسيحيّاً. في حين ضمُر بعض الشيء حزب الكتائب، خصوصاً بعدما مرّت فترة تسلّل النفوذ السوري خلالها إليه عبر وصول أحد “الكبار” من قياداته الشابة في أثناء الحرب إلى رئاسته. أما زعامة آل فرنجيه الشماليّة فقد تقلّص وجودها في الكورة والبترون وتراجعت إلى زغرتا وقضائها، حيث لزعامات زغرتاوية أخرى نفوذ أيضاً. علماً أن الريادة بقيت لآل فرنجيه بسبب الرعاية السورية لهم كما بسبب جرأة قادتهم.

شرحنا كل ذلك لنقول أن استحقاق الرئاسة اليوم محكومٌ برغبة حزب الكتائب، بعد عودته إلى خطّه السياسي الوطني المسيحي المعروف منذ تأسيسه، في استعادة الريادة والقيادة على الساحة المسيحيّة، وتحديداً من “القوات” التي خرجت من رحمه وتسعى إلى احتوائه، وكذلك من عون الذي تسعى إلى وراثة شعبيته بعد عمر طويل. وهو محكوم أيضاً بطموح رئيسه الشرفي اليوم الرئيس أمين الجميل إلى أن يُنتخب رئيساً للجمهورية مرّة ثانية.

هل أخطأ الكتائب جرّاء بقائه أسير تاريخه وطموحات قيادته الجديدة ورئيسه الشرفي في التعاطي مع الاستحقاق الرئاسي، وخصوصاً منذ الشغور الرئاسي قبل 18 شهراً ونيّف؟