بالامس قرأنا أن حزب الكتائب افتتح قبل أيام خلوة موسعة جمعت كوادره، ناقش المشاركون خلالها الخيارات السياسية المطروحة، إلى جانب التموضعات التي يجب أن تركن إليها الصيفي عشية المرحلة الجديدة التي يتوقع أن يعطي الاستحقاق النيابي أولى إشاراتها، في ظل تحالفات جديدة، وعجز عن إقرار قانون انتخابي جديد.
وأمس حل رئيس الحزب النائب سامي الجميل ضيفا على القصر الرئاسي، في اطار جولة يزمع الحزب القيام بها على مختلف القوى السياسية، واضعا نفسه في خدمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مؤيدا مواقفه. وكما هو معروف فان الجميل، كما يقدم نفسه، من اشد الحرصاء على مواقفه المبدئية، والاكثر تمسكا بالخط النضالي لحزب الكتائب. خط وضعه في مواجهة مباشرة مع الثنائي المسيحي الاقوى التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية في معارضة تفاهم معراب المرادف بالنسبة للكتائب لـ»صفقة رئاسية» أوصلت العماد عون الى سدة الرئاسة.
إلا ان شاعرية المبادىء تتناقض في لبنان، كما في كل مكان في هذه الدنيا الفسيحة، مع حسابات الانتخابات والمشاركة في السلطة، خصوصا لحزب عرف تاريخيا بأنه «حزب السلطة»، مناصرا لها، ظالمة او مظلومة. وبعد الخروج غير الموفق للحزب من التركيبة الحكومية، يبدو ان انظار الكتائبين تتجه بقلق الى الانتخابات النيابية، مع احتمال الخروج منها بصفر مقاعد برلمانية. لا بل ان اوساطا بارزة في حزب الكتائب باتت تبدي خشيتها على مستقبل الجميل السياسي، والحضور الكتائبي في المشهد السياسي اللبناني.
المفارقة ان مختلف القوى السياسية على ضفتي 8 و14 آذار اعترفت بدور الكتائب في هذه المرحلة، ومنحته الفرصة لركوب قطار العهد الرئاسي الجديد، إلا ان الحزب رفض الهدية، وقرر عدم الاعتراف بنفسه، كجزء من السلطة القائمة، ولم يتجه الى المعارضة الصريحة، مع كل ما يتطلبه هكذا خيار.
واليوم يبدو ان زيارة الجميل الى بعبدا وجولته المقررة على كل الافرقاء عودة متأخرة الى الواقعية السياسية، وقد عبر عنها نائب رئيس الكتائب سليم الصايغ (قبل الزيارة) في معرض تعليقه على الخلوة الحزبية الاخيرة: «علينا أن ننبري إلى تحليل دقيق وواقعي لنربط الواقع بالهدف المرجو، المبني على المبادئ التي ندافع عنها. أمام هذه الصورة نحن لا ندرس أهدافنا، لأنها واضحة، بل ندرس الوسائل السياسية الكفيلة بايصالنا إلى أهدافنا . نحن لا نعتبر أننا نواجه طواحين الهواء».
النائب الجميل اعلن من بعبدا تفضيله النسبية الكاملة على سائر النظم الانتخابية، ولا عجب في ذلك، فالاستطلاعات وتقارير خبراء الانتخابات تجزم ان حزب الكتائب معرض لخسارة جميع مقاعده النيابية ومن ضمنها مقعد رئيس الحزب نفسه في المتن، اذا جرت الانتخابات على أساس قانون الستين واي نظام اكثري آخر (باستثناء قانون الدائرة الفردية وهو مستبعد)، واذا بقيت التحالفات المعلنة على حالها، وهو أمر مرجح، وخصوصا تحالف الوطني الحر والقوات الذي سيجتاح الدوائر الانتخابية ذات الاغلبية المسيحية الواضحة، فيقضي على تمثيل الكتائب.. والمستقلين. بالاضافة الى تحالفات اخرى في عاليه وطرابلس وزحلة قد يستبعد منها الكتائب، وتؤدي الى خسارة كل مقاعده، وخروجه نهائيا من الندوة البرلمانية.
لكن نقاشات القوانين الانتخابية تجري بما لا تشتهي سفن الكتائب، والنسبية الكاملة غير واردة اطلاقا. ويجري العمل بشكل حثيث على تخريج قانون مختلط، أكثري ونسبي، بالدمج بين المشروع الذي طرحه الرئيس نبيه بري ويقضي بانتخاب نصف عدد النواب على النظام الأكثري والنصف الثاني على النظام النسبي، والمشروع الذي اتفق عليه تيار «المستقبل» وحزب «القوات» والحزب التقدمي الاشتراكي. ويقضي بانتخاب 60 نائباً على النسبي (40 في المئة) و68 نائباً على النظام الأكثري (60 في المئة).
هذا ما سيعقد مهمة الكتائب، ويخربط كل حساباتها، بحيث تبقى كل هذه الحسابات مرهونة بمواقف الآخرين، وهي لا شك نهاية برلمانية غير سعيدة لحزب عريق واكب استقلال لبنان، وشكل أحد أعمدة حياته السياسية لاكثر من ثمانين عاما.