«نحن أولاد 14 آذار.. وسنبقى»، يقول الكتائبيون، في معرض اعتراضهم على «اتهامهم» بالانزياح نحو الوسطية. الوسطية أمر والتواصل مع الشركاء في الوطن أمر آخر بالنسبة لأهل الصيفي. أما التمايز عن «14 آذار»، فلا يرونه نهجاً، إنما أسلوب عمل يهدف إلى فتح كوة صغيرة في جدار الأزمة القائمة بين اللبنانيين، بدل انتظار التوافق السعودي الإيراني المؤجل.
من يسترجع مسيرة «الكتائب» منذ العام 2008 يمكنه أن يرى محطات توافقية عدة. كان الرئيس أمين الجميل أول من طرق أبواب الرابية، كما كان «الكتائب» سباقاً في الدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في زمن تشكيل حكومة نجيب ميقاتي ثم مع تكليف تمام سلام، وهو استمر على حماسته هذه حتى عندما قررت «القوات» عدم المشاركة في الحكومة الحالية.
في موضوع قانون الانتخاب، أعلن النائب سامي الجميل بشكل واضح أن المشروع المختلط المقدم من «القوات» و «المستقبل» و «الاشتراكي» هو أسوأ المشاريع المطروحة.
وفي الموضوع السوري، صار النقد للنظام أكثر خجلاً بالعلن، فيما يكاد يختفي في اللقاءات الجانبية، ليحل محله تفهم لدور «حزب الله» في سوريا، ورصد لتحول في الرأي العام المسيحي من الأحداث التي تجري هناك. وللتذكير، فإن الرئيس أمين الجميل دعا مؤخرا وبشكل واضح، إلى التنسيق بين المؤسسات اللبنانية والسورية بغض النظر عن الموقف من النظام.
أما بشأن الحوار الوطني، فكان الحزب يعلن تأييد استمراره بغض النظر عن أي شيء، وهو موقف يخالف موقف حليفيه «المستقبل» و «القوات».
قبل الذهاب إلى الجنوب، كان الحوار مع «حزب الله» قد قطع شوطاً كبيراً. وإذا كانت تصريحات مسؤولي الحزب تخلو من أي إشارة إلى هذا الحوار، لأسباب ربما تتعلق بحساسية حليفه العوني، إلا أن «الكتائب» يبدو مزهواً بهذا التقارب، وهو لا يكترث كثيراً لملاحظات حلفائه. لا يترك وزراؤه ونوابه مناسبة إلا ويتطرقون لهذا الحوار المستمر منذ نحو ثلاثة أشهر، بين «الكتائب» الممثل بمستويات متعددة وبين «حزب الله» ممثلاً بالنائب علي فياض.
من تابع تصريحات الرئيس الجميل في الجنوب، يمكنه ببساطة أن يلاحظ الدقة التي اختيرت فيها العبارات. لا نقد قاسيا للحزب، كما لا غزل فاضحا له. حتى عندما دعاه إلى العودة إلى الدولة أقرنها بعبارة «بكل محبة»، وأكثر من ذلك اعتبر أن طالما «حزب الله» لم ينخرط في الدولة فستبقى ناقصة، من دون أن يحمله مسؤولية هذا النقص، ومن دون أن ينسى تحية مقاومة أهل الجنوب وانتصار العام 2000.
وإذا كان الجميل سبق وأعلن أن نزع سلاح «حزب الله» ليس أولوية في الوقت الراهن، إلا أن أوساطا حزبية كتائبية تحرص على عدم الظهور بمظهر المتنازل. وتؤكد أن الانفتاح على كل مكونات الوطن هو جزء من ثوابت الحزب، تماماً كما أن الاعتراض على دور «حزب الله» المناقض لمشروع الدولة وعلى سلاحه المناقض للشرعية هو جزء من ثوابته.
يعتبر قيادي كتائبي أن ما قيل في الجنوب يهدف إلى الموازنة بين مبادئ الحزب وبين احترام المضيف. أما الرئاسة، فيجزم أنها لم تكن جزءاً من جدول أعمال الزيارة، المقررة منذ سنوات، والتي كانت تؤجل باستمرار لأسباب متعددة.
ورداً على كل التحليلات التي اعتبرت الزيارة بمثابة تقديم أوراق اعتماد من الرئيس الجميل بوصفه مرشحاً توافقياً، يؤكد القيادي أن الحزب ليس مستعداً أن يرخي الحبل أو يتنازل من أجل مكاسب رئاسية. علماً أن «الكتائب» يعرف جيداً أن هذا الملف ليس ملفاً يمكن التحاور بشأنه مع «حزب الله» الذي يتمسك بترشيح العماد ميشال عون للرئاسة.
من يعتبر الجميل توافقياً لا يصعب عليه أن يعتبر عون كذلك. كما أن مصدراً قواتياً لا يتردد بالقول «بالنسبة لنا سمير جعجع توافقي أيضاً».. لكل رؤيته لصفات الرئيس التوافقي يسهل عليه أن يجعلها تتواءم مع صفات مرشحه. لكن في «الكتائب» يتحسسون أكثر عند المقارنة بين توافقية مرشحهم والمرشحين الآخرين. وإذا كانوا يعتبرون أن جعجع، غير القادر على التقارب مع «حزب الله»، خارج الحسابات التوافقية، فهم يذكّرون أن انفتاح «الجنرال» (على «المستقبل») بدأ منذ سنة فقط، بينما تسير «الكتائب» على هذا النهج منذ توحد الحزب في العام 2006، ولن تحيد عنه بعد انتخاب الرئيس بغض النظر عن هويته».
هل نرى أمين الجميل قريبا في الضاحية الجنوبية؟