IMLebanon

«الكتائب» للحوار العوني ـ القواتي: أنتم الداء.. وأول الدواء

يكتم الكتائبيون كل غيظ قد ينتابهم جراء إبعادهم عن طاولة حوار، ظلت لعقود من الزمن، ضرباً من ضروب الخيال، وهي التي يفترض أن تجمع ميشال عون وسمير جعجع.. فيعضون على جرحهم، لا بل يستعدون للتصفيق لهذا الإنجاز، إن حصل.

كان من المتوقع أن يشتكي هؤلاء من إقفال حلقة التشاور على الثنائي العوني – القواتي، وكان من المنتظر أن يرشقوهما بحجارة الاعتراض والتنكيل.. وإذ بهم ينثرون الورود على طريقهما، وفق معادلة «وداوني بالتي كانت هي الداء».

قد يكون مرد هذا «الريق الحلو» لقناعة هؤلاء أنّ ما يفرّق «القط والفأر» سيحول دون التقائهما.. ولو عند تقاطع المصالح المشتركة. وقد يكون براغماتية باردة سقطت فجأة على رؤوس أهالي الصيفي ودفعت بهم إلى التعامل بواقعية مع «الإنقلاب» الحاصل، وتداعياته على الجميع.

بمقدور مقربين من سامي الجميل تقديم وجهة نظر «عقلانية» لترحيبهم بالحوار بين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية»، والنظر إليه بمنظار إيجابي من شأنه تسهيل مهمة الفريقين الخصمين وحماية طاولتهما الثنائية من «نظرات الحسد».

لهؤلاء مقاربة مختلفة تقول إنّ الخصمين التاريخيين هما المسؤولان بالدرجة الأولى عن مآسي مسيحيي لبنان خلال العقود الثلاثة الأخيرة، والتي لا يزالون يدفعون أثمانها الباهظة حتى اللحظة. وبالتالي إنّ جلوسهم إلى طاولة المصارحة للمصالحة والبدء بالتفكير سوياً بمصالح ناسهم المشتركة، قد يكون نافذة أمل وبقعة ضوء من شأنها أن تغير بعض الواقع.

وباستطاعة هؤلاء تعداد رزمة من الأكلاف التي تكبدها المسيحيون جراء الصراع المميت والعبثي على السلطة بين عون وجعجع، تبدأ بالأثمان البشرية جراء القتل والتهجير، ولا تنتهي بالأكلاف المادية، وتمرّ بطبيعة الحال بالأعباء السياسية التي فرضها اتفاق الطائف على حضور المسيحيين في السلطة تهميشاً وتراجعاً للدور، وعلى رئاسة الجمهورية هيبة وصلاحيات، وعلى القوانين الانتخابية المجحفة التي لم تجد لها من يتصدى لها ويعيدها إلى صوابها التمثيلي.

وهكذا يعتبر كتائبيون مقربون من النائب الشاب أنّ التقاتل المسيحي – المسيحي، الذي يتحمّل مسؤوليته الكبرى العونيون والقواتيون، هو الذي أنتج هذه الحالة من التراجع. وبالتالي إنّ التقاء هذين المسببين عند تقاطع المصالح المشتركة، من شأنه أن يفرمل هذا التدهور السياسي ويضع حداً له، ويرسم خارطة طريق لكيفية استعادة بعض «المجد الضائع».

ولهذا يشير هؤلاء إلى أنّه حتى لو أتى الحوار المرتقب بين الخصمين على حساب المصلحة الضيقة لـ «الكتائب»، فإنّ الكتائبيين لن يتوقفوا عند هذه النقطة، لا بل سينظرون إلى النصف الملآن من الكوب لتهنئة الفريقين على إنجازهما، إن تمكنا من تحقيقه، لأنه سيأتي بالفائدة لكل المسيحيين، على المستوى الإستراتيجي، وسيكون «الكتائب» من فئة الكاسبين.

ولهذا يأمل الكتائبيون بأن يكون الحوار الثنائي بين القطبين موسعاً، ليشمل قضايا مصيرية تهم المسيحيين بشكل عام، ولا يكون محصوراً ببعض المسائل الآنية، ولا يتوقف عند بند الانتخابات الرئاسية، وإلا فإنّ نتيجته ستكون معروفة سلفاً نظراً للتجارب السابقة الفاشلة.

ويستعيدون الجولة التي قام بها النائب سامي الجميل على الأقطاب المسيحية، والتي تجاوزت مسألة الرئاسة لتشجيعهم على الجلوس وجها لوجهاً والمناقشة الجدِّية للوجود المسيحيي المهدد والذي يستدعي خطوات تاريخية وجريئة.

لا يظهر الكتائبيون أي حال استفزاز قد تنخر في رؤوسهم جراء التقاطع الحاصل بين الرابية ومعراب، حتى لو كان أحدهم، وتحديداً «القوات»، يخطط لمستقبله في الشارع المسيحي من باب السعي إلى استيعاب الجمهور الخصم والعمل على قضمه رويداً رويداً.

في «الكتائب» هناك أيضاً من يفكر بهذا الأسلوب ويخطط بهذه الطريقة. ولهذا يسارع «فتيان بكفيا» إلى تحصين حزبهم بالتأكيد على أنّ أبواب الحوار مع خصومهم، وتحديداً «البرتقاليين»، مشرَّعة دوماً، حيث تشهد طاولة مجلس الوزراء على تنسيق لا مثيل له بين الفريقين، ويكاد يتفوق على التنسيق الحاصل بين حلفاء الصف الواحد.

وحتى لو نجح الحوار الثنائي بين عون وجعجع في الاتفاق على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية، فإنّ «الكتائب»، وفق مقربين من سامي الجميل، يجزمون بأنّ قيادتهم ستصفّق لأي تفاهم يحترم الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في بكركي بين الأقطاب الأربعة، والقاضي بتسمية أحد الكبار الأربعة رئيساً للجمهورية.

وبالنتيجة، إذا تمكن عون من إقناع جعجع به، أو نجح الأخير بإقناع الجنرال به، فإنّ «الكتائب» سيكون أول من يهنئ الفائز بالكأس الرئاسي، حتى لو كان أمين الجميل أول الخاسرين. فمجرد وصول أحد الأقطاب الأربعة إلى بعبدا هو إنجاز بحد ذاته للمسيحيين لا يمكن تجاوزه، لا بل يفترض استثماره.