لا يسلّم حزب الكتائب بالانتقاد وما يوجَّه إليه بعد النتائج المخيّبة للآمال التي حصدها في الانتخابات النيابية، والذي يحمّل أداءَه مسؤولية تخبّطه حتى لو انعكس توتراً حزبياً تسرّبت محاضرُه إلى خارج أسوار الصيفي في أكثر من محطة.
لا شك في أنّ أهل البيت المركزي الكتائبي سمعوا من صديق أو خصم، أو حتى رفيق، كلاماً قاسياً يطاول تعثّرَ الحزب في تموضعه السياسي، بعدما شرّع أبوابه التحالفية لمجموعات الحراك المدني، وإذ به يستعيد خطابه السيادي على رغم من كلفته المرتفعة في ظلّ خلط الأوراق الداخلي.
وفي كلا الحالتين، يبدو الحزب كمَن يعيد ترسيم حدود هويته عند خطّ المتغيّرات الإقليمية التي قلبت المشهد الداخلي رأساً على عقب، فأفقدت 14 آذار روحها بعدما تفرّقت مكوّناتُها وانتقلت، إما إلى حالة ربط نزاع مع «حزب الله»، كما هي حال تيار «المستقبل»، وإما إلى مساكنة مكتومة الصمت، كما هو حال «القوات».
وعلى رغم ممانعته أيَّ «تماس مشترك مع قوى سياسية ساهمت في وضع «حزب الله» يده على البلد، من خلال ترئيس مرشحه لرئاسة الجمهورية أي العماد ميشال عون وقلب الأكثرية النيابية لمصلحته من خلال قانون النسبية، واستطراداً الغالبية الوزارية»، يستطيع حزب الكتائب أن يفتح نافذة التقاء مع رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية بمعزل عن اصطفافه السياسي، سواء لناحية علاقته المميزة مع الرئيس السوري بشار الأسد أو لناحية تحالفه مع «حزب الله».
حسب قيادته الأمور واضحة أمام حزب الكتائب: العنوان السيادي خطّ أحمر لا حياد فيه أو عنه حتى لو كلّفه عزلةً وتطويقاً. هو منسجم مع تاريخه ونضاله وليس مستعداً للمساومة على مبادئه الوطنية في سبيل كسب سلطوي «لا يُغني ولا يسمّن»!
الأثمان التي يدفعها لبنان نتيجة سيطرة «حزب الله» على الدولة، كبيرة الى درجة لا تترك مساحة، ولو ضيّقة للواقعية السياسية، كما يرى حزب الكتائب: تعاظمت الأخطار وصار البلد معزولاً ومهدَّداً بالعقوبات فيما الانكماش الاقتصادي يزيد من تدهور الوضع المالي.
في موازاته، يتحرك العنوان الثاني المتصل بالحوكمة الداخلية: الهدر، الفساد، الصرف العشوائي، التخبط المالي… كلها تحديات تدفع حزب الكتائب إلى التصلّب في معارضته، «لأنّ غيرَ ذلك يُعتبر استسلاماً وتخلياً عن التاريخ النضالي والشهداء الذين تكبدهم الحزب في مسيرته الطويلة».
لا يوافق الحزب على اتهامه في أنّ معارضته غيرُ منتجة أو مؤثرة أو غير مقنعة للرأي العام بدليل نتائج الانتخابات النيابية. حسب تقديره، تأثيره يوازي تأثير أيَّ فريق معارض في أيِّ دولة طالما أنه لا يملك أدوات السلطة. لا بل نجح في إسقاط سلّة الضرائب التي كانت ستفرضها السلطة لتمويل سلسلة الرتب والرواتب كما كُشفت فضيحة البواخر التي كان من الممكن أن تمرّ في مجلس الوزراء لولا صرخة الكتائب.
حسب البيت المركزي، يلعب حزب الكتائب دوراً كبيراً كما لو أنه يملك 63 نائباً، أي النصف ناقصاً واحداً، وهو قادر على الاختراق وتأمين عشرة نواب لتقديم أيِّ طعن يرتأيه. فعالية معنوية لا سلطوية. أما بالنسبة الى الرأي العام، فيعود الكتائبيون إلى تجربتهم النضالية إبّان الوصاية السورية، مشيرين إلى أنّ حالة الاعتراض كانت عبارة عن عشرات الطلاب غير أنّ مؤيّدي تلك الحركة كانت يمثلون الأكثرية الصامتة من الناس. مشهد اليوم لا يختلف حيث تؤيّد الأكثرية الصامتة خطاب الكتائب لكن الوضع الاقتصادي- الاجتماعي العاطل يدفع الناس إلى ربط أصواتهم بالخدمات والإغراءات التي تقدمها قوى السلطة في لعبتها الابتزازية.
يقولون: «سبق وواجهنا حالات معارضة أقصى من تلك التي نواجهها، وكنا ممثلين في مجلس النواب بنائب واحد فقط. ولهذا نصرّ على التأكيد أنّ وضعنا الشعبي أو الانتخابي أفضل من السابق، وليس العكس أبداً».
ولهذا يختصر الكتائبيون المشهد الحالي بـ»حالة متاجرة بالناس، وكأنّ العمل السياسي صار حسب أكثرية القوى السياسية، في سبيل تحقيق المصالح الفئوية على حساب التاريخ والمبادئ. صار معيار النجاح تحقيق الإنجازات الشخصية على حساب السيادة والاقتصاد والمصير».
لكن هذا التطرّف في الاعتراض لا يمنع الكتائب من استضافة فرنجية ضيفاً مميّزاً على رغم من الاختلاف حول قضايا استراتيجية، إلّا أنّ مساحة الإلتقاء تبقى موجودة تغذّيها الصداقة بين الزعيم الزغرتاوي والعائلة المتنيّة، والحرص على الإمساك بـ»شعرة» الحوار.
الأهم من ذلك، هو انتقال العلاقة إلى مشروع تفاهم اذا ما دفعت متغيّرات المنطقة الداخل اللبناني إلى مقاربات مختلفة عندها يمكن لحزب لكتائب، حسب رأيه، البحث في تفاهم عميق مع رئيس تيار «المردة». ومع ذلك، ثمّة مِن الكتائبيين مَن يقول: لماذا نُسأل عن رأينا بترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية إذا كان ترشيح سامي الجميل ممكناً؟
في النتيجة، لا تنفي القيادة الكتائبية ارتكابها الأخطاء في الإدارة الداخلية ولكن على المستوى الوطني هي مقتنعة كل الاقتناع بما تقوم به، ولا تغريها «سياسة المساكنة غير المتوازنة التي يمارسها البعض، كما لن تشرّع خطيئة إيصال مرشح «حزب الله» الى رئاسة الجمهورية مهما تمّ تجميلها».