Site icon IMLebanon

الكتائب بلا سجعان قزي والحكومة بلا كتائب

تتطلّع الأوساط السياسيّة في لبنان لا إلى إقالة الوزير سجعان قزّي من حزب الكتائب، بل إلى معنى الإقالة، فيما الكتائب قرّرت الاستقالة من الحكومة اللبنانيّة. والمعنى في حقيقته يعود إلى ترجرج في العلاقة بين الوزير قزي ورئيس الحزب سامي الجميل، منذ أشهر عديدة، ويظهر بعض العارفين بأنّ ذلك عائد إلى الفرق بالعمر بين الرجلين، وفي الوقت عينه إلى عدم وجود كيمياء على المستوى الشخصيّ بينهما، ممّا أدى إلى تباين كبير في المواقف بينهما.

ويروي بعض من هم على معرفة دقيقة بالواقع أنّ لسجعان قزّي بصمات كبيرة على الحزب، وهو ينتمي إلى جيل ساهم في بعث رؤية مسيحيّة مقاومة، في لحظات تعرّض فيها المسيحيون للتهديدات وللحروب، إنّه أحد أعمدة ذلك الزمان وكان فيه عشير القلم والكلمة، ينضح رؤى ويسطع بالفِكَر. قبل أن يصير وزيرًا عمل سجعان إلى جانب الرئيس امين الجميل كصديق ومستشار، وأظهر بالفعل والعمق انّه مصدر للثقة وهو المتميّز دومًا بعقلانيّته ووضوحه. ويظهر هؤلاء أن سجعان تميّز بأنّه يملك إحساسًا استراتيجيًّا إن على المستوى المسيحيّ وإن على المستوى اللبنانيّ، يقرأ التطورات بعناوينها ومعانيها، يغوص إلى أعماقها ليقدّم استنتاجاته باحترام دقيق لنفسه ولكل آخر.

تميّز سجعان قزّي أيضًا بحرصه على وحدة المسيحيين، وفي الوقت عينه كان جدًّا مفنتحًا على حزب الله، هو بالحقيقة من هندس دومًا للحوار بين الكتائب وحزب الله، وسعى غير مرّة إلى الحوار والتلاقي، معتبرًا أنّ أي تلاق بين اللبنانيين يسهّل الأمور ويجعل البلد محصّنًا اكثر فأكثر بوجه العواصف الهوجاء الهابّة حوله. يقول هؤلاء العارفون أنّ سامي مذ تسلّم رئاسة حزب الكتائب اللبنانيّة، دخل بنفس جديد ورؤية جديدة يشوبها الكثير من الحماس الصادق من دون شكّ، لكنّ العلاقة بين سجعان وسامي تختلف بالشكل والمضمون عن العلاقة بين سجعان والرئيس أمين الجميّل، فبين سجعان وسامي فارق كبير في العمر، ولكلّ منهما أسلوبه في قراءة المعطيات وتظهيرها، أحيانًا كانا يتلاقيان بالمضمون ولكنهما دومًا بختلفان بالأسلوب أي أسلوب المعالجة، في حين أنّ العلاقة بين سجعان وأمين كانت الأقرب إلى العقلانيّة وكانا دومًا دائميّ الاتفاق.

المسألة الراهنة لا تنفصل بجوهرها عن تلك المسائل المختلَف عليها بين سامي الجميل وسجعان قزي. وفي معلومات أوردتها مصادر عارفة أنّ اجتماع المكتب السياسيّ الكتائبيّ والذي فيه أخذ القرار باستقالة الوزيرين قزّي وآلان حكيم، كان قزّي مناقشًا مع قناعة راسخة لديه بأنّ الحكومة تعيش حالة كبيرة من «المعطوبيّة» ولا تملك القدرة على تكوين حياتها وتدوين انتظامها في لحظات الفراغ القاتل بلا إيقاع خارجيّ ناظم لبقائها وديمومتها، غير أنّ الواقعية تفترض عدم الذهاب إلى ترميدها في ظلّ عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة. حصل نقاش صاخب في ذلك الاجتماع ولم يوافق قزّي على طرح الاستقالة، وإن جلس على يمين سامي الجميل خلال المؤتمر الصحافيّ الذي عقده لإعلان قرار الاستقالة وقد تبيّن أنّه جلس على مضض وكان وجهه ممتعضًا.

المعادلة الواضحة والمؤلمة أن الكتائب بلا سجعان والحكومة بلا الكتائب، وسجعان ظلّ وزيرًا للعمل فيها على الرغم من أنه دخلها وزيرًا كتائبيًّا. وفي المسرى الحزبيّ المتعارَف عليه، كل حزبيّ يفترض الالتزام بأي قرار ياخذه الحزب وإن خالفه أو اعترض عليه. فالخلاف بين سامي الجميّل وسجعان قزّي ليس في مسالة الإلتزام، بل في معنى الاستقالة. وفي قراءة مستفيضة أجراها الوزير قزّي، أظهر من حيث المعنى عدم الجدوى من تقديم الاستقالة في مدى الفراغ على كلّ المستويات، فهي لا تقدّم ولا تؤخّر والبقاء في الحكومة أفضل بكثير من الخروج منها. وفي معرض تلك القراءة مصدر سياسيّ قال: «ماذا ينفع إن استقال معظم الوزراء، والجميع يعرف أنّ الرئيس تمام سلام كان على قوب قوسين منها، بسبب قرفه من الجوّ السائد على طاولة مجلس الوزراء وفي الخارج، وللرئيس نبيه برّي الدور البارز في ثنيه عنها». ويعقّب هذا المصدر على قرار حزب الكتائب بتقديم الاستقالة قائلاً: «على الرغم من تفهّم الجميع للأسباب الموجبة التي حدت بالحزب إلى هذا القرار الموجع وتحويله إلى صرخة مدويّة لكنّها في الحدود المنظورة تبقى مجرّد صرخة لا تأثير لها على أرض الواقع ولن تغير بالمعادلات الراسية في البلد حتى يتم حسم المعركة في سوريا»، وفي تقييمه لبقاء الوزير قزي في الحكومة، اعتبر هذا المصدر أنّ قزّي يقرأ السياسة بواقعيّة خلوًّا من السياق العاطفيّ أو الحزبيّ المنغلق، ولا يخفى عن كثيرين أنّ سجعان قزّي محلل سياسيّ بامتياز، ويقرأ السياسة بخلفيّة استراتيجيّة وليس بخلفية مرحليّة أو لحظويّة أو طرفيّة ضيّقة، فمن الطبيعيّ أن تأتي مقاربته مختلفة جدًّا عن خلفيّة رئيس الحزب المنتمي إلى جيل آخر، جيل يتكوّن من جديد، ويحاول أن يثبّت أقدامه في مرحلة هي الأصعب في تاريخ لبنان والمنطقة، بمعنى أنّنا في واقع غير متقارب بل في سياقين متناقضين قد يلتقيان أحيانًا في بعض الخطوط ولكنّها غالبًا ما ينفصلان». وبرأي هذا المصدر أنّ سجعان قزّي ليس بسبب استكباره ولكن بسبب اختماره في العناوين لن يقبلبأن يتلقّى أوامر في سنّه هذه من شاب بعتبر بمثابة ابنه.

ماذا بعد هذا الانفصال؟ لا شيء على الإطلاق. لحزب الكتائب خياراته وللوزير سجعان قزّي خياراته. وعلى الرغم من ذلك ماذا لو سقطت الحكومة فعليًّا وهي ساقطة اخلاقيًّا بمسائل النفايات وما شابه ذلك؟ تشير بعض المعلومات الى ان سقوطها ليس قائمًا في المعادلات الحالية ولن يسمح به على المستوى الدوليّ لاعتبارات تتعلّق بسيرورة الحكم وديمومة الاستقرار. فمع سقوطها الفعليّ يسقط لبنان في قاع الهاوية. وتعطي بعض الأوساط الأردن مثالأً فتقول أنّ هذا البلد مدعوَش (من داعش)، من رأسه إلى أخمص قدميه، لكن استقراره محفوظ بسبب عدم تحمّل الأميركيين بلوغه نحو التهوّر. ولن تتحمّل الدول الراعية للاستقرار اللبنانيّ بلوغه نحو الانفجار مع سقوط الحكومة، لذلك لن تسقط الحكومة بل لن يسمح بسقوطها على الرغم من وهنها وتعبها، وهي باقية بكلّ مكوّناتها حتى انتخاب رئيس للجمهوريّة. وبالتالي فإن قرار الكتائب بالاستقالة كان ينبغي ان يكون أكثر حكمة ودراية، وقرار قزي واقعيّ وحكيم.

في المحصّلة خسر سجعان قزي مقعده في المكتب السياسيّ في الحزب مع قرار إقالته وإيقاف عضويته ولكنّه ظلّ وزيرًا فيها، وخسرت الكتائب مقعديها الوزارييين بفعل الإقالة ولا يعرف إلى أين سينتهي هذا الحزب العريق والمؤسس للبنان الميثاق المعاصر والحديث.