Site icon IMLebanon

حرص على إرث عهد الوصاية ؟

القوى السياسية، من مسلمين ومسيحيين، التي كانت مستفيدة من الوصاية السورية على لبنان، سياسياً ومالياً واقتصادياً ونفوذاً، لم ترتح منذ البداية الى تفاهم القوات والتيار، على اعتبار ان الثنائي المسيحي القوي شعبياً، سيتبعها في المحطات والاستحقاقات الاساسية، مثل الانتخابات على انواعها، والتعيينات الادارية والعسكرية، والانماء المتوازن، ومشاريع النهوض بالدولة، والالحاح في المطالبة بالحقوق التي انتزعها الوصي السوري من خصومه، ووهبها لجماعته وحلفائه.

كما ان هذه القوى، باستثناء حزب الله، لأسباب خاصة به، وقفت بوضوح ضد وصول الرئيس العماد ميشال عون الى قصر بعبدا، وشكّلت جبهة دعم لايصال النائب سليمان فرنجية الى الرئاسة الاولى، واستطاعت هذه القوى ان تحرم الرئيس عون الفوز بأكثرية الثلثين في الدورة الاولى، بما يشبه الانذار، الى انها لن تسهّل له عهده وان «جهادها الكبير» سيبدأ مع تشكيل اول حكومة، ومفاجأة تعيين جلسة لمجلس النواب قبل صدور المرسوم من القصرالجمهوري، انما هي حلقة من حلقات هذا الجهاد الذي لن يتوقف طول عهد عون.

الشخصيات ذات الاختصاص في العلم الدستوري، اتفقت على رأي واحد، في تفسير مواد الدستور المتعلقة بما يسمّى «الفراغ» الذي تهوّل به هذه القوى على اللبنانيين، او في تفسير مَن له الحق في تحديد الدورات الاستثنائية ومدتها وبنودها، فأفتت هذه الشخصيات بأن الفراغ غير موجود في الدستور، بعد انتهاء ولاية مجلس النواب، لأن رئيس المجلس النيابي وهيئة المجلس من النواب، يديرون الاعمال في حدّها الأدنى خلال مهلة الثلاثة الاشهر المحددة لاجراء الانتخابات النيابية، والفراغ لا يمكن ان يطول الحكومة او رئاسة الجمهورية، امّا بالنسبة الى الدورات الاستثنائية، فان رئيس الجمهورية بالتفاهم مع رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، هو الذي يحدد التوقيت والمواضيع والمدّة، وليس احد غيره، الاّ اذا كانت هناك رغبة بتعمّد الفراغ وتجاهل الدستور، فالوضع عندئذ يأخذ المنحى السياسي البحت القائم على الموالاة والمعارضة، او التسهيل، او التعقيد.

* * * *

الخلاف على قانون جديد للانتخابات، محصور منذ مدّة في شكل خاص، بين الثنائي المسيحي، من جهة، وبين الثنائي الشيعي وحلفائه من جهة ثانية، وهناك فريق ثالث متنوّع، غير مرتبط بأي من الثنائيتين، يبني مواقفه على «القطعة» التي تعجبه، دون ان يكون له تأثير اساسي، سلبياً كان او ايجابياً.

الثنائي المسيحي، يحمل في المبدأ، مشروعاً واحداً، هو كيف يمكن احترام المناصفة الفعلية التي قال بها الدستور، بين المسيحيين والمسلمين، والاتفاق على قانون لا يتعرّض للاهتزاز عند اول خضّة او سوء تفاهم.

هذا المبدأ، يعتبره الثنائي الشيعي وحلفاؤه، منطقاً طائفياً، وليس منطقاً تصحيحياً كما هو في جوهره، ويأخذون هذه الحجّة «الوطنية» لأنهم لا يريدون التخلّي عن «مكتسبات» اعطاهم اياها الوصي السوري، متناسين في الوقت ذاته انهم قاموا بثورة لاستعادة حقوق زعموا ان المارونية السياسية، سلبتها منهم، بمعنى ان هناك كلاماً وطنياً من جهة يفصح عن تنفّس مذهبي وطائفي من جهة ثانية.

عمد الوصي السوري الى تجاهل نص دستور الطائف وزاد عشرين نائباً على ما ورد في هذا الدستور، ووزّع من اصل عشرة نواب للمسيحيين، خمسة او ستة نواب، وربما كلّهم في ذلك الوقت، على مسيحيين «يخصّونه»، وجريمة الثنائي المسيحي اليوم، انه يطالب اما بالغاء هذه المقاعد التي زيدت بتعديل دستوري مفروض، وامّا نقل ثلاثة او اربعة مقاعد الى دوائر يستطيع الناخب المسيحي ان يتحكّم بها، لكن معارضة البعض، ترفض الحلّين، لأنها حريصة على ارث غازي كنعان، وتهدد بإطاحة ما توصّل اليه النائب جورج عدوان من تقدم، اذا اصرّ الثنائي المسيحي على ذلك.

هل يمكن اعتبار هذه المواقف، مواقف وطنية تسهيلية، او مواقف طائفية تعجيزية… سؤال برسم اللبنانيين.