IMLebanon

عدوان القنيطرة: أي سياق وأي رد؟

ان الحديث عن نقطة تحول شكلها العدوان الاسرائيلي على القنيطرة ليس حديثاً في الهواء. انه العدوان الاول من نوعه ضد المقاومة خارج حدود لبنان الجنوبية وخارج المنطقة المحتلة منه في شبعا وكفرشوبا، وشكل ضربة موجعة للمقاومة.

اتى هذا العدوان في الوقت الذي يتحدث فيه كثيرون عن آفاق الحوار الاميركي ـــ الايراني ومحاولات «المشاغبة» عليه من قبل الكيان الصهيوني والسعودية التي كلفت مهمة التصعيد في البحرين واليمن.

يأتي هذا العدوان كذلك في سياق محاولة صهيونية مشبوهة للاستفادة من اتجاه معاد لقضايانا خلّفته العمليات الارهابية في فرنسا خصوصاً وفي اوروبا عموما، وهي عمليات لم تنتج سوى تنامي «الاسلاموفوبيا» التي يستفيد منها العدو الصهيوني، يضاف الى ذلك ظروف المعركة الانتخابية الاسرائيلية وسعي بنيامين نتنياهو للفوز فيها مجدداً واستعمال الدم العربي في فلسطين ولبنان وسوريا، كناخب اساسي في معركته.

وللعدوان الاخير ايضاً ظروفه السورية، فمن الواضح في هذا المجال ان الامور في الاشهر الماضية اتجهت بعكس ما تشتهيه الولايات المتحدة وحلفاؤها من تركيا الى السعودية وقطر.. فالمنظمات الحليفة لهؤلاء عجزت عن تحقيق اي تقدم بل ان الجيش السوري نجح في استعادة قسم من المناطق التي كانوا يسيطرون عليها ويحاصر مناطق اخرى.

الى ذلك، استطاعت القوى الداعمة للحوار في موسكو، تجاوز الضغوط الاميركية والعربية الساعية لافشال هذه المحطة وبالتالي اصبح مؤتمر موسكو امراً واقعاً، برغم اعتقادنا انه سيكون مرحلة سياسية وليس نهاية المطاف.

في هذا الاطار، يمكن توصيف العدوان الاجرامي الاسرائيلي، بانه ملاقاة للخطوة الاميركية بتدريب آلاف المعارضين السوريين لأجل خوض المعركة من الجنوب السوري والجولان باتجاه لبنان… باختصار، إنه الشريط الحدودي السوري المزمع انشاؤه في محاولة جديدة لتكرار تجربة «انطوان لحد» بنسختها السورية هذه المرة.

والاستنتاج الآخر ان العدو الصهيوني في عدوانه الاخير، يكون قد اعلن هو الآخر، انضمامه الواضح بالدم والنار، لمخطط الشرق الاوسط الجديد، ولمحو حدود «سايكس بيكو» وإعلان انتهاء هذه المرحلة، التي سبق للولايات المتحدة ان اعلنتها وتقاطعت وتكاملت أو نفذت جزءاً من هذا الاعلان دولة «داعش» في تعاطيها مع الحدود السورية والعراقية واللبنانية.

والسؤال الاساس هنا، هل ان الموقف العربي واللبناني، يجب ان تحكمه آلية «النكاية» وردة الفعل، اي اذا كان العدو الاميركي ـــ الاسرائيلي يسعى لرسم منطقة جديدة ويضرب كيانات واطر سايكس ـــ بيكو فهل هذا يعني حكماً ان ندافع نحن عن هذا الاتفاق ـ المؤامرة التاريخية على ثرواتنا وشعوبنا؟

هذا الموضوع يجب ان يشكل حافزاً اساسياً للتفكير، لدى كل القوى الوطنية والتقدمية العربية التي تخوض المواجهة مع العدو الاسرائيلي.

ان الانغلاق، في حدود ما تفرضه وقائع الكيانات ـــ الدول، سيؤدي بشكل او بآخر لخدمة المشروع الاميركي، اذ ان اصواتاً كثيرة في لبنان كمثال ستنطلق، وحينها ستجد ما يبررها، لتستعيد شعارات النأي بالنفس عن الصراع العربي ـــ الاسرائيلي وكذلك مقولات المغامرة وقرار الحرب والسلم (في الوقت الذي لم تستطع فيه هذه القوى بناء دولتها بل دمرت المؤسسات من رئاسة الجمهورية الى المجلس النيابي) وكذلك ستعود معركة النأي بالنفس عن الصراع في سوريا، وقد يعود البعض الى وضع هذه النقطة كأداة انقسام مذهبي وسياسي في الداخل اللبناني من مدخل وجود حزب الله في سوريا وهو بالاساس وجود مُختلف على تقييمه.

كما ان القفز عن وقائع خلقها سايكس ـــ بيكو في حوالي قرن، من دون مشروع عربي متكامل، سيكون له آثاره السلبية والخطيرة وهو في كل الاحوال قد جرب في مراحل كثيرة، وبسبب غياب اطره الديموقراطية والاجتماعية فشل في تجارب متكررة.

ان هذا العدوان، وكما شكل نقطة تحول في المشروع الاميركي ـــ الصهيوني، يجب ان يشكل نقطة تحول في اطر مواجهة هذا المشروع واتجاهاتها وقواها.

من هذا المنطلق، دعونا سابقاً، للتعامل مع لقاء موسكو، ليس كحوار يستهدف خروج سوريا من ازمتها، فقوى الأزمة غير موجودة فيه، بل دعونا لاعتباره منطلقاً لصياغة جبهة للمواجهة تضم الى الدولة السورية قوى المعارضة الوطنية، حيث ترتكز هذه الجبهة على اسس ثلاثة، أولها وطنية وضمنها تأتي عملية تنظيم مقاومة العدو في الجولان المحتل والحفاظ على وحدة سوريا، وثانيها الاساس الديموقراطي في اعادة تشكيل الدولة السورية، وثالثها الاساس الاجتماعي في علاقة الدولة مع شعبها.

وعلى قاعدة هذه النظرة، ننطلق في نظرتنا للمواجهة الشاملة للمشروع الاميركي ـــ الصهيوني، وبالتالي لتنظيم اسس المقاومة والعلاقة بين قواها الواقعية والمفترضة.

انها اشكالية تتجاوز في ضرورة حلها، حزب الله وسوريا، لتطال قوى سياسية واجتماعية مختلفة، تجد موقعها الطبيعي في مقاومة المخطط الاميركي ـــ الصهيوني.

(]) الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني