في حين لم تُقدِّم غارة القنيطرة أيّ جديد من حيث التأكيد أن إسرائيل ستبقى بالمرصاد كعدو أول للبنان خاصة والعالم العربي عامة، وأنها ستستمر بالسعي للعودة إلى ساحة المواجهة، لحسابات داخلية بامتياز، مستغلِّة حالة الضياع والإنقسام في العالم العربي والفراغ الرسمي على الجبهة اللبنانية لتدفع مستوى الضغط على الوطن الصغير ومقاومته. إلّا أن الجديد في هذه الحادثة هو ردّة الفعل اللبنانية للإعتداء الذي حصل على «عدد من اللبنانيين»، وهو الموقف الرسمي للحكومة التي تجاوزت القطوع ببيان رسمي موحَّد، كان قد سبقه إدانة شاملة لمختلف الأفرقاء، بغضّ النظر عن موقفهم من سلاح المقاومة أو من تورطها في الصراع السوري.. فجاء هذا الإجماع الوطني، كباكورة الحوار الحاصل بين سائر الأطراف، كردّ لبناني سريع على الأهداف السياسية من هذا الإعتداء ألا وهي تعميق الشرخ وإحياء الخلافات وإبقاء الجبهة اللبنانية قابلة للإشتعال من الداخل قبل الخارج! وهنا يفصل الخط الدقيق بين توازن الرعب والإنجرار إلى دوامة الضربة والضربة المعاكسة واضعة استقرار البلد برمّته على محك الحروب المدمِّرة، في وقت ينصرف كلٌ من الأشقاء العرب والحلفاء الدوليين الى همومه الداخلية ومواجهاته ضد الإرهاب، حيث لم يعد لبنان على سلّم الأولويات!
أما كون العملية حصلت خارج الأراضي اللبنانية فهو يُخرج حتمية الردّ من لبنان إلى أي مكان من سلّة أهداف المقاومة، التي أثبتت أن يدها تطال خارج الحدود اللبنانية كما داخلها! وبالتالي تكون الضربة موجعة لإسرائيل إذا ما نجح لبنان، بدولته ومقاومته، في تفويت الفرصة على العدو عبر تحييد الوطن عن المواجهة المباشرة، في حين لا يزال يصارع لتجاوز إرتدادات الأزمة السورية أمنياً وإجتماعياً، والأهمّ إقتصادياً، وأي تحدٍّ آخر يكون يفوق القدرة الوطنية على التحمّل! على أن يشكّل الحوار منعطفاً في العلاقات الداخلية بين الشركاء في الوطن، ممكن أن تكون غارة القنيطرة إمتحاناً جديداً لوحدة الصف، ولو جزئياً وحول هذا الموضوع، حيث أظهرت أن التلاقي ليس مستحيلاً والإنقسام العامودي ممكن أن تخرقه بعض جسور الحوار، وإن التنسيق، وفي القضايا المصيرية يحصّن الجبهة الداخلية، وهي من أقوى الأسلحة في وجه العدو!
وأخيراً.. هل ينسحب هذا النضج في معالجة الملفات الخلافية، على الملف الأكثر إلحاحاً ألا وهو إنتخاب رئيس للجمهورية، أم أن ما يُحلَّل لحالات معيّنة يُحرَّم لأخرى؟