«عملية القنيطرة» في البيت اللبناني بمنازله الكثيرة
مخاوف وحسابات تنسحب انقساماً: أين سيكون الرد؟
لا حاجة الى استشهاد ستة من عناصر «حزب الله» في القنيطرة السورية للتأكد من حدة الانقسامات في البلد. انقسامات تطال كل شيء، من الأمني الى السياسي، وحتى الاجتماعي والثقافي والقيمي. لكن كل ما تلى عملية القنيطرة يكشف ان انقسام اللبنانيين يقارب الانفصال. يتأكد ان لبنان هذا «لبنانات». كل مجموعة او طائفة او منطقة فيه تعيش على ايقاع اهتماماتها واحكامها واجندتها ومخاوفها.
فيما كانت الضاحية الجنوبية ومناطق عديدة في الجنوب تتحول الى ساحة «عزاء وتبريكات» كبيرة، كانت مناطق أخرى تراقب، بعضها من موقع المتفرج على حدث يقع على هامش اهتماماته، وبعضه يتنقل بين الصدمة والاعجاب والاعتراض والابتسام والغضب وعدم الاستيعاب والخوف.
الاكيد ان وقع الحادثة وكيفية مقاربتها وتحليلها والتعاطي معها، يختلفان اختلافا جذريا داخل المنازل الكثيرة للبيت اللبناني.
اذا تم تجاوز مشهدية الجنازات بحشودها ذات الدلالات، والتغاضي عما يرى فيه بعض اللبنانيين «عسكرة مجتمع بكامله فكرا وممارسة، واسرافا في اظهار الفرح والفخر في مناسبة موت شبان في مقتبل العمر، على ارض غير ارضهم، وان على ايدي العدو»، فان حزن «البيئة الحاضنة» للشهداء وغضبها وحتى شعاراتها و «وعيدها» لا يشاركها فيه لبنانيون آخرون.
تهيب الموقف هو الصفة الجامعة، وربما بعض الخوف من تداعيات تجر البلد الى حرب لا احد يريدها. لكن الفرق، بحسب سياسي مسيحي من «أصدقاء» المقاومة، ان «بيئة حزب الله مستعدة لمواجهة اي حرب مقبلة، وهي مستعدة لدفع الاثمان متحملة، اذا اضطر الامر، ظلم ذوي القربى الاشد ايلاما من ظلم العدو، وهي متيقنة من صدق السيد حسن نصرالله بأن النصر سيكون حليفها وان مفاجآت كثيرة ستصيب العدو من حيث يتوقع او لا يتوقع».
لكن الخوف من «المفاجآت» على انواعها هو الذي جعل قسما كبيرا من السياسيين اللبنانيين يصمت مترقبا ومراقبا. بالنسبة الى «تيار المستقبل» الاشكالية واضحة «من سقطوا شهداء، لان القاتل هو اسرائيل العدوة». اما ما يلي من كلام فبعضه مكرر، كالتساؤل عما يفعل هؤلاء الشباب على ارض سورية برفقة مسؤولين ايرانيين، وبعضه فيه أسى وأسف، كأسف النائب احمد فتفت الذي يؤكد ان «لبنان وسوريا تحت الوصاية الايرانية».
يبدي نواب ومسؤولون في «تيار المستقبل» تخوفهم «من اي رد فعل عسكري غير محسوب لحزب الله»، وان كان معظمهم يعتبرون ان «الرد سيكون على الارجح من الجولان، فلبنان لا يتحمل اي مغامرة عسكرية». يذهب احد المسؤولين في «المستقبل» الى الجزم ان «حزب الله وجمهوره وبيئته التي تتعسكر لا يحتملون اليوم اي حرب. فقد وسّع الحزب من انفلاشه العسكري داخل لبنان وفي سوريا وصولا الى العراق، وهو يهدد ضمنا البحرين بالتسلل اليها. وساهمت سلوكياته في القطيعة مع قسم كبير من اللبنانيين والقسم الاكبر من السوريين، ومن خلفهم كثر من العرب، فمن يمكن ان يشكل له حاضنة ودعم في اية مغامرة مفترضة؟».
وكما يرجح مسؤولون في «المستقبل» بان يكون الرد خارج الاراضي اللبنانية، كذلك يفعل سياسيون مسيحيون من «14 آذار». لكن هنا يأخذ النقد وتيرة اعلى وان بقي تحت سقف مضبوط «مراعاة للحلفاء الذين لن يتوقفوا عن التحاور مع حزب الله للحفاظ على حد ادنى من حماية الاستقرار الداخلي».
في هذا المقلب يُنظر الى الامور من منظار مختلف نسبيا. فالبيئة المسيحية، حتى المتعاطفة مع «حزب الله»، والمتحالفة معه، «لا ترغب مطلقا في خوض غمار حرب ودفع اثمان لصراعات اقليمية»، وفق تعبير احد حلفاء الحزب المسيحيين الذي يضيف «لكننا هنا في موقع المعتدى عليه. لا اظن ان حزب الله ينوي ان يشن الحرب على اسرائيل، لكنه وفق سياسة الردع لن يسمح لها بأن تحقق انتصارا ملموسا او معنويا». مشددا على «الرهان على حكمة المقاومة في اختيار اسلوب الرد وتوقيته بما يحفظ لبنان واهله».
لكن هذا الرهان يتحول تخوفا لدى خصومها «من ان تحتكر مرة اخرى قرار الحرب والسلم وتقودنا الى مغامرات غير محسوبة». يتحفظ هؤلاء، في توافق واضح، على الاسهاب في التعليق، ويكتفي احد النواب بالقول «هو مشهد سبق ان رأيناه، فعسى هذه المرة الا تكون تداعياته على لبنان مشابهة لما سبق، فلا وضعنا السياسي ولا الامني ولا الاقتصادي ـ المعيشي يسمح بذلك».