قليلة هي العمليات العسكرية الإسرائيلية التي تلقى على الفور تشكيكا في جدواها منذ اللحظة الأولى مثل الغارة الإسرائيلية التي استهدفت مجموعة من نشطاء «حزب الله» وأحد ضباط «الحرس الثوري الايراني» قرب القنيطرة في جنوب سوريا.
فقد جاءت الغارة بنتائج بدت قوية إسرائيلياً، على الأقل من الناحية المعنوية، لدرجة دفعت المعلّقين الإسرائيليين للتخوف من عواقبها. البعض من هؤلاء تخوف من «حرب لبنان الثالثة» وأبدى آخرون خشيتهم من تصعيد شامل في حين اكتفى بعض آخر بالحديث عن «لعب بالنار» ومجازفة خطرة. وكان واضحاً للجميع أن ثمة ربطاً بين العملية ومقابلة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله الأخيرة مع قناة «الميادين» التي وجّه فيها الكثير من الرسائل الواضحة الى إسرائيل.. وإلى جمهوره.
ومن الجائز أن المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هارئيل كان الأشمل بين المعلقين حينما وضع الغارة في سياق شامل واعتبرها «حدثا دراماتيكيا» قد يقود إلى تصعيد شامل. ولاحظ هارئيل أن تقديرات قيادة الجيش الإسرائيلي «ترى أن حزب الله سوف يرد هذه المرة عسكرياً وإن كان ليس معلوما بعد مستوى الرد».
ولكن، وبرغم تقديرات الاستخبارات الاسرائيلية حتى وقت قريب بأن «حزب الله» غير معني بالتصعيد العسكري بسبب الوضع الميداني في كل من سوريا ولبنان، إلا أنه تم رفع حالة التأهب في المستوطنات الشمالية. فالتخوف من ردّ فوري من جانب «حزب الله» نبع من تقدير بإمكان حدوث ذلك.
مع ذلك، أشار عاموس هارئيل إلى أن «حزب الله» قد يؤجل الرد الى أن تنشأ ظروف ملائمة يستطيع من خلالها الرد كما حدث في الماضي إما في الخارج أو في الجولان، أو على الحدود اللبنانية، وهو يعتقد أن مستوى رد فعل «حزب الله» سيحدد منسوب الفعل الإسرائيلي المضاد.
«الليكود».. غير مرتاح انتخابيا!
وفي ما يشبه التبرير لما أوحى به نائب رئيس الأركان سابقا والمرشح الأمني على قائمة «كلنا»، الجنرال يؤآف غالانت من شبهات بوجود دوافع انتخابية خلف الغارة، كتب عاموس هارئيل أن الغارة كانت مفاجئة وأنه «من ناحية عملية يشهد هذا السلوك على أن الوسط السياسي في اسرائيل يعيش في وضع غير مريح». وتساءل: «هل كانت هذه العملية مثلا نتيجة انذار استخباري فوري تم تلقيه في زمن قليل نسبيا قبل وصول قافلة القادة من حزب الله بالقرب من الحدود مع اسرائيل؟ ومن الذي ضغط لتنفيذ العملية من اجل استغلال هذه الفرصة التنفيذية التي توفرت، هل كانت بإيحاء من الوسط السياسي أو بتوصية من المستوى المهني العسكري»؟
وأشار هارئيل إلى أن هذه الاسئلة مهمة بسبب العواقب المحتملة لهذه العملية التي قد تؤدي الى تصعيد حقيقي في الشمال وفي هذه الاجواء الانتخابية، التي يعيش فيها حزب «الليكود» في وضع غير مريح الى حد ما، حسب آخر استطلاعات الرأي العام.
وفي كل حال، يرى هارئيل أنه لا شك في أن الاغتيالات تمثل نجاحا عملياتيا مذهلا بحد ذاته لأنها أزاحت عن المواجهة قادة مجرّبين في «حزب الله»، الى جانب قائد شاب يعتبر رمزا. ويكرر ما ورد في وسائل الإعلام الاسرائيلية عن استهداف جهاد عماد مغنية وقائد آخر هو محمد عيسى والقائد الايراني طبطبائي. وينقل عن أوساط استخبارية عربية قولها إن مغنية كان مسؤولا عن تركيز شبكات «حزب الله» ضد اسرائيل على الحدود السورية، وخلص إلى أن مغنية الإبن انشغل في التحضير لعمليات اضافية، يمكن الافتراض أن اغتياله سيصعّب تنفيذها في المستقبل القريب.
«يلعبون بالنار»
وكانت نبرة النقد أعلى في مقالة المعلق العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان التي حملت عنوان «يلعبون بالنار». واعتبر فيشمان ما جرى بأنه أشبه بـ «أحد ما، القى بعود ثقاب نحو برميل بارود والان ينتظر أن يرى ما إذا كان سينفجر أم لا». وحاول في مقالته التخفيف من أثر العنوان من دون جدوى حين أشار إلى أن «هذه مناورة خطيرة في الكيمياء العملية التي تنفذ عشية الاختبار النهائي: الانتخابات في اسرائيل».
واعتبر فيشمان أن «لجنون اشعال النار هذا عدداً من الشركاء. حزب الله، ينبغي الافتراض انه بمساعدة مباشرة من ايران وبتعليماتها كان على وشك تنفيذ سلسلة عمليات ضد اسرائيل في هضبة الجولان بهدف ترسيخ ميزان ردع في مواجهة الغارات المنسوبة لسلاح الجو». وأشار إلى أن «الخلية التنظيمية، برئاسة جهاد مغنية، اتخذت لها موقعا في سلسلة من القرى، بعضها درزية، في الهضبة السورية. ولو خرجت العمليات الى حيز التنفيذ، لما كان بوسع اسرائيل أن تضبط نفسها إزاءها، خصوصا عشية الانتخابات. والصاروخان اللذان أرديا الخلية التي خططت للعمليات سبقا شكلا المرض بالوقاية». مع ذلك لاحظ أن «العملية الجراحية قد تكون نجحت ولكن المريض ــ الوضع في الشمال ــ يتدهور فقط».
وألمح فيشمان إلى أن الغارة مرتبطة بمقابلة السيد نصر الله مع قناة «الميادين» التي وصفها بـ «الوقحة» حينما «هدد فيها اسرائيل بسلاح حديث، باحتلال اجزاء من الجليل وبردّ «المقاومة» على الهجمات في سوريا ــ تلقي اسرائيل امام وجهه بالاصبع الوسطى: «هاك، صفينا بعض كبار مسؤوليك في سوريا، وهيا نرَ الآن ماذا ستفعل».
«عناق قتالي»
ومع ذلك، اعتبر أليكس فيشمان ما حصل «كأنه مأخوذ من سيناريو مناورة عسكرية اسرائيلية يصف تصعيدا في الجبهة الشمالية. وهكذا يمكن ان يبدو مثل هذا السيناريو: اسرائيل تنفذ اغتيالا لقادة كبار في «حزب الله»، بمن فيهم شخصيات رمزية ــ أحدٌ ما مثل ابن ضابط العمليات الاسطوري عماد مغنية. وعندها تبدأ لعبة الحرب: حزب الله يرد بالنار على الجولان، بعملية ضد قوات الجيش الاسرائيلي على الحدود اللبنانية أو الاسوأ من ذلك ــ بإطلاق الصواريخ نحو اسرائيل. والجيش الاسرائيلي كفيل بأن يرد بشدة أو في رد رمزي يؤشر فيه بأنه معني بإنهاء جولة التصعيد هذه. غير أن السيناريو من شأنه أن يتدهور، والطرفان من شأنهما أن يجدا نفسيهما في «عناق قتالي» خلافا لمصلحتهما، في الحفاظ على الوضع الراهن. واضح للطرفين بأن المواجهة ستحصل، والسؤال هو متى: هل هذه السنة، ام بعد أن تتضح الصورة في سوريا».
لكن فيشمان لا يتحدث هنا عن مجرد مناورة. «فالقوة التي حشدها حزب الله هي التي تحدث كل هذا الفرق. من قرر الهجوم أمس (الأول) قدّر بأي حال بأن مصلحة حزب الله ــ الذي تمتد اضلاعه في كل الجبهات ــ هي أن يرد بشكل معتدل. قد يكون محقا وقد يكون لا. فالاستخبارات ليست علما دقيقا».
أي رد سيأتي من الشمال؟
عموما كتب المعلق العسكري للقناة الاسرائيلية العاشرة، ألون بن دافيد، في «معاريف الأسبوع» تعليقاً يقر فيه بأن إسرائيل فتحت بهذه العملية «جبهة جديدة». ويقر أيضا أن «تصفية كبار قادة التنظيم هو أكثر من السير على حافة الهاوية، أنه يقتضي الرد. ليس هنالك امكانية بأن يستوعب الحزب ضربة كهذه من دون رد. وبعبارة اخرى، لقد اعتقد متخذو القرارات في اسرائيل كما يبدو، بأن تصفية الطبطبائي وجهاد مغنية الشاب، هي نجاح استخباري بحد ذاته، يستحق فتح جبهة جديدة، والمخاطرة بالانزلاق الى حرب».
وبعد أن يعدّد «مخاطر الشهداء»، يشدد بن دافيد على أنهم «يستحقون القتل» وأن تصفيتهم «ضربة لحزب الله». مع ذلك، يكتب «ولكنها ليست ضربة يصعب تجاوزها. أي منهم ليس عماد مغنية الذي لم يتم ملء الفراغ الذي تركه بعد تصفيته حتى اليوم، هل هذا كان يستحق؟ سنعرف الاجابة بعد الرد». ويشير بن دافيد إلى احتمالات الرد، معتبرا أن الرد في الخارج «محرج لحزب الله»، مع ذلك، لا يستبعد عمليات ضد شخصيات أمنية إسرائيلية. كما يرى احتمال تنفيذ عمليات على الحدود اللبنانية مع ما يعنيه ذلك من خطر الانزلاق إلى حرب. ومن هنا، يتحدث عن احتمال حصر الرد على الأراضي السورية عبر إطلاق صلية صواريخ على مستوطنة أو على موقع عسكري. للجيش الاسرائيلي.
«خطوة جريئة أم مجازفة خطرة»؟
وتحت عنوان: «خطوة جريئة أم مجازفة خطرة»، كتب المعلق الأمني في «معاريف الأسبوع» يوسي ميلمان متسائلا عما اذا كانت هناك دوافع انتخابية وراء الغارة في القنيطرة، معتبرا أن المستهدفين كانوا «قنبلة موقوتة». ويرى صعوبة إعطاء الجواب لكن المهم في نظره أن الغارة لم تترك أمام حزب الله مجالا سوى الرد «للحفاظ على كرامته، بسبب ما يبدو في نظره خرقا لقواعد اللعب مع اسرائيل».
وأشار ميلمان إلى أن الغارة الإسرائيلية تختلف عن عمليات اغتيال سبق لإسرائيل أن نفذتها ضد قيادات في «حزب الله». فالغارة تعني أن يد إسرائيل واضحة لا تترك مجالا للتنصل، لذلك، فإن «خطر الاشتعال قد زاد، وذلك برغم أنه حسب كل التقديرات في اسرائيل لا يوجد لحزب الله ولا لاسرائيل رغبة في خوض حرب شاملة، ولا حتى جولة محدودة».
«نرجو ألا يندم من قرر الضربة»
وأشار ميلمان إلى «أنه يبدو كان لدى منفذ الهجوم معلومات استخبارية دقيقة عن القافلة، وقرر من قرر أنه ينبغي استغلال الفرصة والمجازفة. من هذه الناحية، فان هذه التصفية تُذكر بقرار تصفية الأمين العام لـ «حزب الله» السيد عباس الموسوي في 1992 باطلاق صواريخ من مروحيات في جنوب لبنان (منطقة النبطية). ايضا في حينه، كانت هناك معلومات استخبارية، جهاز أمن برئاسة وزير الدفاع موشيه آرنس ورئيس الحكومة اسحق شامير، وقد قررا بأن هناك فرصة للتنفيذ، وتم استغلالها. النتيجة كانت كارثية. فقد رد «حزب الله»، بمساعدة المخابرات الايرانية، خلال اسابيع عدة بتفجير السفارة الإسرائيلية في بيونس آيريس، وبعد سنتين، بتفجير بناية للجالية اليهودية في المدينة نفسها. ومنذ ذلك الحين، فإنهم في اسرائيل يندمون على ذلك الخطأ ويعترفون بالخطأ الذي جلب تعيين حسن نصر الله لهذا المنصب، ذلك العدو العنيد والأكثر شراسة من عباس الموسوي».
يخلص ميلمان للقول: «نرجو ألا يندم من اتخذ قرار التصفية وأن يكون خرق إسرائيل كما يبدو لقواعد اللعب هو خطوة جريئة وليس قرارا مغامرا يؤدي الى حريق كبير في الحدود الشمالية».