أيّاً كان التوضيح أو التأويل الأميركيَّين اللاحقَين لتصريحات ناظر الخارجية جون كيري، فالترجمة أتت فورية لما قاله من خلال استخدام الغازات السامّة في بلدة سرمين.
يمكن طبعاً، القول أنّ بشار الأسد لا يطبّق جون كيري بشكل سليم، ومعتدل، ومستنير، وأنّه يغالي في التطبيق. لكن هذا لن يقدّم أو يؤخّر كثيراً: ثمّة، بعد خمس سنوات على انطلاقة ثورة سوريّة، أطلق خلالها الرئيس الأميركي باراك اوباما وادارته أكثر من موقف مفاده ان بشار الأسد ينبغي ان يرحل وان يعاقب، وبعد اشهر عديدة على حرب جوية بلا طائل تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الاسلامية»، ها انّ التخبّط الأميركي يصل إلى لحظة السقطة: تخويف «داعش»، لكن بماذا؟ باستعانة أميركا ببشار الأسد!
أميركا التي فشلت في تقويض «دولة العراق الاسلامي» بعد سنوات طويلة من حربها مع الجهاديين في العراق، وبشار الأسد الذي كان حاكم سوريا الآمر الناهي قبل خمس سنوات ولا يسيطر الآن الا على مساحة محدودة من البلاد … ما الذي يمكن لأميركا ان تجنيه في حال الاستعانة، بالثاني، بشار الأسد؟ وما الذي يمكن لبشار الأسد أن يقدّمه أو أن يجنيه؟
لا شيء، تقريباً. فاقد الشيء لا يعطيه. سواء نطقت واشنطن لصالح الثورة أو لصالح النظام فالواضح أن كل مسار علاقتها بالمسألة السورية قادها إلى تقزيم امكانية أن يكون لها دور فاعل في مسار هذه الأزمة، وهذا ما تضاعف مع الحرب اللابرية واللامدروسة ايضاً ضد «داعش«. أميركا في المسألة السورية – بخلاف إيران وروسيا، الداعمتين الاساسيتين لنظام آل الأسد، ظهرت كأنها نمر من ورق.
يبقى ان تصريح كيري يدعو الكثيرين إلى مراجعة جدية لتفكيرهم وتحليلهم، وبالذات الذين اسقطوا اي معطى امبريالي للسياسة الاميركية، وتناولوا موقف واشنطن من ثورات الربيع العربي كمترفع على اي مصلحة وظرف.
في الوقت نفسه، الحذر الحذر واجب من الغرق في نظرية المؤامرة، من نوع ان كل حكام العالم يطعنون بحق الشعب السوري في التحرر. ينبغي عدم الاستسلام لهذا اللون الدراميّ أيضاً.
الدعم الإيراني الروسي لنظام آل الأسد في مقابل الكلام المعسول الغربي للثورة السورية لا يعني ان ثمة «نظرية مؤامرة» بقدر ما يوضح أن هناك أسباباً ليس فقط توازنية بين الدول، وانما أسباب تتعلق بأزمة القيادة والتنظيم في الثورة السورية، والتوازن الكارثي المرتسم باكراً بين نظام عجز عن سحق ثورة وثورة عجزت عن الاطاحة بنظام.
لا نظرية مؤامرة، ولا مدلول جدّياً لكلام كيري، كما لسابق كلام الاميركيين الداعم لإسقاط بشار الأسد والآن العكس.