تأخر جون كيري كثيراً ليكرر ما قاله لوران فابيوس قبل عامين: “من غير المعقول ان يوضع السوريون امام خيارين إما الديكتاتورية وإما الارهاب”، لكن ليس المهم موافقة كيري في الخطب والمؤتمرات، المهم هو تصويب السياسات الاميركية التي ادت الى وضع السوريين امام هذين الخيارين البشعين.
يعرف كيري ان من غير المبالغة القول، ان باراك اوباما كان، وربما لا يزال يمثل في نظر الكثيرين [بمن فيهم كيري ضمناً]شريكاً مضارباً، سواء في حماية الديكتاتورية عبر التعامي الطويل عن فظاعاتها التي دمرت سوريا وساهمت في استيلاد “داعش” وأخواته، وسواء في ترك المجال السوري والعراقي مفتوحاً امام الارهابيين، الذين يبدو انهم لم يقرعوا ابواب البيت الابيض قبل ان تحزّ السكين رقبة المسكين جيمس فولي.
قبل اربعة اشهر بدأت الغارات على “داعش” في العراق، ومنذ ذلك الحين يبدو ان تحالف الاربعين دولة الذي تحدث عنه اوباما وكأنه يناور جواً ضد “داعش” اكثر مما يقوم بقصف مركّز ومتواصل على مراكزه، وما هو اخطر ان اوباما اعلن عشية قمة العشرين انه طلب من الكونغرس تحديد استراتيجيا للحرب على الارهاب، فهل كل ما قام به حتى الآن كان من باب التخمين او الارتجال؟!
ليس في هذا الكلام اي مبالغة. يكفي ان نعود الى تصريحات مارتن ديمبسي الذي عارض دائماً وعلى امتداد ثلاثة اعوام ونيف تسليح المعارضة السورية المعتدلة، او اولئك الذين قال اوباما انهم مجموعات من الفلاحين واطباء الاسنان لا يجيدون القتال، ولم يرفض تسليحهم من اميركا فحسب، بل انه طبق القانون الذي يمنع حلفاءه من ايصال السلاح الاميركي الذي يملكونه اليهم!
كيري يكتشف الآن ان النظام السوري و”داعش” وجهان لعملة ارهابية واحدة، وان هناك علاقة تكافلية تضامنية بين الاسد وابو بكر البغدادي، بمعنى ان الاسد يدّعي انه آخر خط دفاع ضد الارهابيين و”داعش” يقدم نفسه بديلاً وحيداً من الاسد وهذه معادلة تعزز الطرفين!
لكن ليس المهم الاكتشافات بل المعالجات، وخصوصاً ان وعود اوباما اخيراً بتسليح المعارضة المعتدلة وتدريبها لم تترجم بما يشجع على التصديق ان هناك رغبة في ان تقوم هذه المعارضة بملء الفراغ الذي يفترض ان ينجم عن سقوط النظام وهزيمة الارهابيين.
ومن خلال هذا التناقض بين الاقوال والافعال من الضروري طرح السؤال بكثير من التشكيك:
ما معنى حديث كيري عن الحل السياسي الانتقالي في سوريا، وما معنى موافقة النظام السوري على الاقتراح المهزلة الذي طرحه ستيفان دو ميستورا بتجميد الصراع، وهو ما اعتبره النظام مدخلاً الى استعادة السيطرة على سوريا المدمرة؟