تغيرت الدنيا في سوريا، وسط تعدد الرهانات على حلول عسكرية، وبقي الرهان الدولي ثابتاً على مخرج من مأزق الأزمة التي صارت حرباً: حل سياسي ينهي الحرب عبر تسوية تاريخية للأزمة. وهو مخرج كان مفتوحاً بأقل قدر من الخسارة وأكبر قدر من الربح في ربيع ٢٠١١ من قبل أن تدفع سوريا ثمن التدمير المزدوج للعمران والنسيج الوطني الاجتماعي. وهو ما بقي هدف الأمم المتحدة ومحط الخطاب الأميركي والروسي، وما تعاقب على العمل له ثلاثة موفدين دوليين: كوفي أنان، الأخضر الابراهيمي، وستيفان دي ميستورا. لكن تحقيق الرهان صار أصعب بعدما ازداد المأزق تعقيداً بعوامل عدة بينها صعود داعش وجبهة النصرة، وانتقال سوريا من لاعب اقليمي الى ملعب اقليمي ودولي، بحيث صارت الرياح تدور بالبلد الذي فاخر بالبراعة في ادارة الرياح.
والمشهد سوريالي في تراجيديا على مسرح حرب دولية ضد الارهاب تدار كأنها حرب من أجل تسوية. ليس لدى دي ميستورا خطة سلام بل خطة تحرك كما يقول. وليس لدى أميركا التي تقود التحالف الاقليمي والدولي للحرب على داعش خطة حرب بل خطة لتعديل الموازين في الحرب. دي ميستورا يتحدث على مشارف السنة الرابعة للحرب عن ثلاث أولويات هي تخفيف العنف وايصال المساعدات الانسانية وزرع بذور حل سياسي ضمن خطة تجميد تدرجي للصراع، ويقترح بدء التجميد الموضعي في حلب. ووزير الخارجية الأميركي جون كيري يلعبها مكشوفة بالقول ان هدف واشنطن من دعم المعارضة المعتدلة هو التأثير على صنع القرار لدى الرئيس الأسد، لنستطيع العودة الى التفاوض على اتفاق سياسي.
والسؤال البسيط بالنسبة الى اقتراحات دي ميستورا هو: كيف يمكن تجميد الوضع في حلب مثلاً باتفاق بين النظام والمعارضين بعد صعود داعش وقدرته على فتح المعارك؟ وما الذي يمنع التنظيم الارهابي من محاولة الوصول الى حلب؟ والسؤال حول استراتيجية اوباما التي تحدث عنها كيري هو: ما الذي يمنع الرئيس الأسد المستفيد من الضربات الجوية الأميركية لداعش، باعتراف وزير الدفاع تشاك هاغل، من أن يضرب المعارضة التي تدربها وتسلحها أميركا لقطع الطريق على نظرية الرهان على التأثير في صنع قراره وبالتالي على الحل السياسي بالمفهوم الأميركي؟
كيري يوحي أن أفكاره ليست فقط أميركية بالاعلان عن التحدث في الموضوع مع الروس والايرانيين والسعوديين. لكن هاغل يسجل في مذكرة بعث بها الى البيت الأبيض ملاحظات على استراتيجية اوباما ويراها معرضة للفشل بسبب الارتباك في الموقف من الأسد. وليس في أميركا طريقة صحيحة وطريقة خاطئة بل هناك فقط طريقة الرئيس كما قال الديبلوماسي الأميركي المخضرم هارولد سوندرز.