حين تَعِد إيران بتعزيز دعمها «محور المقاومة» و «المناضلين» في المنطقة، بعد توقيعها صفقة الاتفاق النووي، فذاك قد لا يعني سوى تبديد قلقهم الصامت من شقٍّ خفيّ في الصفقة، يُترجَم ببيعهم… ولا يعني لدول الخليج والعرب عموماً سوى تلويح بمزيد من التدخُّلات الإيرانية في العراق وسورية ولبنان واليمن والبحرين.
وما أعلنه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وبعده مستشار المرشد علي أكبر ولايتي، إن كان يرجّح أولوية النفوذ الإقليمي لإيران، ما دامت «لا تسعى» أصلاً إلى امتلاك سلاح نووي، فهو يرجّح كذلك أن بلايين الدولارات التي ستُضخّ في الخزينة الإيرانية، سُتنعش ايضاً أوردة «المناضلين» دفاعاً عن «الشعوب المظلومة».
حتى بعد الاتفاق الذي طوى الليالي «النووية» في فيينا، بل ربما بسببه خصوصاً، أثبت الإيرانيون أن ما يقولونه في الليل يمحونه في النهار. وأبسط مثال يعني المنطقة وشجونها، الحديث المتكرّر عن الصفحة «الجديدة» مع دول الجوار، ثم كسر كل التقاليد في تجاوز سيادات دول، للدفاع عن شعوب «مظلومة».
وإذا كان منطق السياسة يرجّح مقايضة النفوذ النووي بالأصابع الإقليمية، من بغداد إلى صنعاء ودمشق وبيروت، في ظل نبرات تهديد إيرانية لدول الخليج، فإن رسالة واشنطن التي سيحملها وزير الخارجية جون كيري إلى نظرائه الخليجيين في اجتماع الدوحة (3 آب- أغسطس) سيلخّصها بدعوتهم إلى «رص الصفوف» في مواجهة الخطر!
والخطر إذ يبدو اثنين، من طموحات طهران وتحريك أصابعها في المستنقعات والبراكين العربية، ومن «دولة داعش» التي تتمدّد، لا تُظهِر الإدارة الأميركية مجدداً أي ميل جدي إلى معالجة القلق الخليجي، إذا استُثنِيَت عروض تقديم السلاح والمنظومات المتطوّرة المضادة للصواريخ.
فالمعضلة مع طهران والتي لم تدركها بعد إدارة الرئيس باراك أوباما، أن للتدخُّل الإيراني وجوهاً متباينة في المنطقة، لن تُمحى بمجرّد قرار سياسي أو رغبة، وأن دول مجلس التعاون لن ترغب بالتأكيد في خوض حرب مع جمهورية المرشد علي خامنئي، كما لا تتمنى رؤية عواصم أخرى عربية تسقط في قبضة حلفاء طهران.
إيران بلا نفوذ نووي لعشر سنين، ستعني تعزيز احتمالات مزيد من التصعيد والمواجهة في المنطقة، لأن طهران لن تتخلى عن نفوذها الإقليمي، فيما تدخُل قفص فِرَق التفتيش التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرّية. وبعيداً من المبالغة في استحضار أزمات تلك الفِرَق مع نظام صدام حسين، واضح أن طهران ما زالت بعد اتفاق فيينا تستضعف العرب جميعاً، وهم يتلقّون ضربات من بعض أدواتها، ومن «داعش».
والسؤال، بعد فيينا، إن كانت خريطة التحالفات في المنطقة تتبدّل فيما تسقط خرائط دول عربية مثل سورية والعراق، طموح إسرائيل إلى إحياء التعاون الأمني والاستخباراتي مع تركيا، هل يتحوّل حاجة متبادلة، بعد خروج إيران من قفص الحظر الدولي؟ والأهم، هل يكفي تعزيز القدرات العسكرية لدول مجلس التعاون الخليجي، ليردع فصولاً أخرى أكثر دموية إذا قررت إيران، القوية مالياً واقتصادياً، حسم صراعات إقليمية بالقوة، ثم انتزاع «شرعية» لأنظمة بديلة على الخريطة العربية؟
لا يعني العرب مَنْ حقّق مكاسب أكثر في ماراتون المفاوضات النووية الإيرانية، وقد ينجح كيري في الدوحة في عرض ما كسبته مجموعة الدول الست. ما يعنيهم أولاً وقف التلاعب الإيراني بمصير المنطقة، تحت شعارات الدفاع عن «الشعوب المظلومة»، والتصدي لـ «داعش» وتكفيرييه… والأكيد بعد فيينا، كما وعد المرشد خامنئي الجميع، أن لا تبديل في الخطاب العدائي الإيراني للجوار، وأما «الغطرسة الأميركية» فشأن آخر.
وبتعزيز الدعم لـ «محور المقاومة»، ماذا ينتظر السوريين واللبنانيين والعراقيين واليمنيين؟