في الوقت الذي يعمل فيه وزير الخارجية جون كيري على مداهنة نظيره الروسي٬ في محاولة للمساعدة في إنهاء الحرب المشتعلة في سوريا٬ تخطط وزارته هذا الأسبوع لفرض حظر على المزيد من المواطنين الروس يمنعهم من دخول الولايات المتحدة والمشاركة في نظامها المالي٬ على خلفية مقتل محاٍم روسي عام 2009
وتكشف العقوبات الوشيكة النقاب عن إلى أي مدى تقوم سياسة الرئيس باراك أوباما على التوازن٬ ذلك أنه حتى في الوقت الذي تعاقب فيه واشنطن مساعدين وحلفاء للرئيس الروسي فلاديمير بوتين٬ فإنها مستمرة في مساعيها لكسب التعاون الروسي داخل منطقة الشرق الأوسط. وفي الأسبوع ذاته الذي حّث كيري خلاله روسيا على المعاونة في إنهاء الحرب في سوريا٬ كشف مسؤول رفيع المستوى بوزارة الخزانة أن بوتين يخفي ثروة شخصية له بعيًدا عن أعين أبناء شعبه.
هذا الأسبوع٬ من المقرر أن يستمر هذا النهج٬ حيث أخبرني مسؤولون بوزارة الخارجية أنهم يتوقعون إضافة خمسة أسماء أخرى لما يعرف باسم قائمة ماغنتيسكي٬ التي تحمل اسم المحامي الروسي سيرغي ماغنتيسكي٬ الذي تعرض للسجن بعد فضحه أكبر عملية احتيال ضريبي في روسيا وتوفي بالسجن عام 2009 بعد تعرضه لضرب مبرح.
من جهتها٬ أجرت السلطات الروسية تحقيًقا شكلًيا هزلًيا بالأمر٬ مما دفع الكونغرس إلى تمرير قانون عام ٬2012 يقر قائمة سوداء بأسماء الأفراد المتورطين في مقتل ماغنتيسكي٬ ويحظر عليهم دخول الأراضي الأميركية.
مساء الخميس الماضي٬ أخطرت وزارة الخارجية النائب جيم مكفرن٬ الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي وولاية ماساتشوسيتس٬ مثل كيري٬ بأنها ستطرح أسماء جديدة على الكونغرس٬ تبًعا لما أفاده به مسؤولون بالكونغرس. إلا أن كيري تدخل وأوقف عملية الإدراج٬ صباح الجمعة الماضي. من ناحية أخرى٬ أخبرني مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية أن كيري لا تزال لديه بضعة تساؤلات بخصوص هذا الإجراء٬ لكنه توقع الإعلان عن الأسماء الجديدة المنضمة للقائمة الروسية السوداء هذا الأسبوع. ومع ذلك٬ جاء تحرك كيري متأخًرا للغاية بالنسبة لمكفرن٬ الذي أصدر بياًنا صحافًيا٬ الجمعة٬ هنأ خلاله وزارة الخارجية بإضافة أسماء جديدة للقائمة. وأخبرني متحدث رسمي باسم مكفرن٬ أن مكتب النائب ألغى البيان لاحًقا لأنه جرى إرساله قبل أوانه.
الواضح أن هذا شّكل توقيًتا سيًئا لكيري٬ فعلى مدار الأسبوع الماضي عكف وزير الخارجية على محاولة إقناع نظيره الروسي سيرغي لافروف٬ بالاضطلاع بدور بّناء في محادثات السلام السورية٬ التي انطلقت في جنيف٬ عطلة نهاية هذا الأسبوع. وقد طلب كيري من لافروف٬ على وجه التحديد٬ توقف روسيا عن استهداف المدنيين السوريين وأعضاء المعارضة غير المنتمين لتنظيم داعش.
وأثناء مؤتمر صحافي عقد الثلاثاء الماضي٬ كشف لافروف النقاب عن هذه المحادثات الخاصة٬ وقال إنه يشعر بالحيرة إزاء طلب كيري وقف قصف المعارضة.
واشتكى لافروف من أنه «عندما يدعون أمامنا أننا نقصف أهداًفا خاطئة٬ ونسألهم ما هي إذن الأهداف الصحيحة٬ يرفضون إخبارنا. بصراحة٬ أشعر بالحيرة. هذه ليست محادثة جادة بين شخصين بالغين يتحليان بالجدية».
ومع ذلك٬ لا ينبغي إخراج كيري من المعادلة٬ خصوًصا أنه سبق أن نجح في تحقيق توازن في التعامل مع روسيا. عام ٬2013 تمكن وزير الخارجية من التوصل لاتفاق مع روسيا لتفكيك الجزء الأكبر من الأسلحة الكيماوية بحوزة سوريا٬ بعد أن أعلن الفكرة خلال مؤتمر صحافي عن غير قصد. في ذلك الوقت٬ كان كيري يوجه اتهامات لروسيا بالتغطية على جرائم حرب سورية. ومع ذلك٬ نجح في التوصل لاتفاق مع موسكو لإجبار سوريا على الاعتراف بامتلاكها أسلحة كيماوية والتخلص من معظمها. على الجانب الآخر٬ شرعت روسيا في تنسيق حرب جوية شنتها داخل سوريا فور انتهاء المفاوضات النووية مع إيران يوليو (تموز) الماضي.
هذه المرة٬ يحرص كيري على انتقاء كلماته بحذر. وخلال رسالة مصورة سجلها خلال عطلة نهاية الأسبوع وموّجهة للمشاركين في محادثات جنيف٬ لم يذكر كيري الحكومة الروسية صراحة لدى دعوته لوقف قصف المدنيين السوريين.
ومع ذلك٬ يبقى من المؤكد أن قائمة ماغنتيسكي ستجتذب أنظار روسيا٬ فعندما مرر الكونغرس قانون ماغنتيسكي نهاية عام ٬2012 رد مجلس الدوما الروسي بتمرير تشريع يحظر على الأسر الأميركية تبني أطفال روس. وأخيًرا٬ أصدرت موسكو إخطارات عبر الإنتربول للقبض على ويليام براودر٬ مدير صندوق التحوط الأميركي٬ الذي استعان بماغنتيسكي للتحقيق بخصوص ضرائب اكتشف المحامي لاحًقا أن مسؤولين بوزارة الداخلية استولوا عليها. اليوم٬ هناك فقط 34 شخًصا على قائمة ماغنتيسكي٬ يرتبط 28 منهم بقضية ماغنتيسكي. أما الأسماء الأخرى٬ فلها صلة بقضايا أخرى مرتبطة بحقوق الإنسان.
من جانبهم٬ ينظر الروس إلى الإجراءات الأميركية بخصوص قضية ماغنتيسكي باعتبارها إهانة. وقال لافروف خلال مؤتمره الصحافي المشار إليه آنفا في موسكو إن قانون ماغنتيسكي شّكل عاملاً أساسًيا في فتور العلاقات الأميركية الروسية خلال فترة الرئاسة الثانية لأوباما. وأشار وزير الخارجية الروسي إلى أن تمرير قانون ماغنتيسكي سبق غزو بلاده لأوكرانيا٬ وعرضها ملاًذا آمًنا على المقاول السابق لدى وكالة الأمن الوطني٬ إدوارد سنودن٬ مضيًفا أن القانون جاء بمثابة استفزاز «مروع».
من ناحيته٬ قال براودر إنه من المهم أن تضيف واشنطن مزيًدا من الأسماء لقائمة ماغنتيسكي٬ لكنه استطرد بأنه لا تزال هناك الحاجة لبذل مجهود كبير. وقال:
«تقدمت عائلة ماغنتيسكي 282 اسًما لوزارة الخارجية٬ منها 28 اليوم على قائمة ماغنتيسكي٬ وقدُيضاف إليها أربعة أخرى. في الواقع٬ لقد أنجزوا 10 في المائة فقط من الهدف المنشود حتى الآن».
تبًعا للبيان الصحافي الملغى حالًيا الصادر عن مكفرن٬ فإن الاسم الخامس بالقائمة يخص مواطًنا روسًيا متورًطا في تعذيب وقتل ناشط حقوقي شيشاني. وأشار مكفرن من خلال بيانه إلى أن إضافة هذا الفرد كانت مهمة٬ لأن الهدف الرئيس من وراء إقرار الكونغرس لقائمة ماغنتيسكي من الأساس٬ جعلها وسيلة يمكن للحكومة الأميركية من خلالها إنزال العقاب فيما يخص مجموعة واسعة النطاق من الانتهاكات الروسية لحقوق الإنسان.
من بين هذه الجرائم التي استحوذت على قدر بالغ من الاهتمام٬ الأسبوع الماضي٬ تسمم الجاسوس الروسي السابق ألكسندر ليتفينينكو عام 2006. وألقى مسؤول في هيئة التحقيق البريطانية المعنية بالحادث الذي وقع داخل المملكة المتحدة أخيًرا باللوم على جهاز الاستخبارات الروسية عن الحادث٬ وخلص إلى أن الأمر ربما صدر عن بوتين.
من ناحيتهم٬ أخبرني مسؤولون بوزارة الخارجية بأن الأسماء الجديدة على قائمة ماغنتيسكي لا علاقة لها بقضية ليتفينينكو. ومع ذلك٬ فإن هذه السابقة تمهد الطريق أمام الإدارات الأميركية المقبلة لاستخدام القائمة في ضم مجموعة أوسع من الأسماء.
والمؤكد أن مثل هذا الأمر يثير قلق الأنصار السياسيين لبوتين. وما دام أنه رئيس٬ يتمتع بوتين بحصانة رئاسية تحميه من أمور مثل قانون ماغنتيسكي. بيد أن هذه الحصانة لا تمتد لشخصيات كبرى أخرى داخل روسيا. من جانبه٬ يسعى براودر وآخرون لدفع دول أخرى لتمرير قوائم خاصة بها شبيهة بقائمة ماغنتيسكي٬ الأمر الذي سيترك أماكن أقل متاحة أمام هذه الشخصيات الروسية النافذة لإخفاء ثرواتهم بها. في تلك الأثناء٬ سيحاول كيري من جديد تحقيق توازن في التعامل مع روسيا٬ حيث سيعمل على الفوز بتعاون لافروف في إنهاء المذابح التي عاونت روسيا على وقوعها داخل سوريا٬ بينما تفرض وزارة الخارجية عقوبات ضد خمسة روس آخرين بسبب انتهاكات أقل اقترفوها داخل بلادهم.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»