ما حصل طوال الأسبوع يدل على أن السلطة تحاول خلق إشكالات متنقلة من أجل لجم الثورة والقضاء عليها وشيطنتها.
لا تزال نار الثورة مشتعلة، ولا يستطيع أحد إيقافها خصوصاً أن السلطة الحاكمة لم تقدّم أي حلول ترضي الشارع الثائر وتؤسس لمرحلة جديدة من الإصلاحات والإنقاذ الإقتصادي المطلوب.
وفي هذه الأثناء تفاجأ “التيار الوطني الحرّ” بحجم ردة الفعل الشعبية ضد أداء السلطة الحاكمة مجتمعةً، وظهر ذلك من خلال التظاهرات في كل المناطق ومن ضمنها المناطق المسيحيّة وخصوصاً في جبيل والمتن وكسروان.
ويبدو جلياً أن حركة الإعتراض لن تهدأ وستبقى مستمرة وإن بوتيرة متفاوتة، وعمد “التيار الوطني الحرّ” إلى محاولة ضرب الإنتفاضة في هذه المناطق عبر إعادة إحياء صورة الماضي والقول إن “القوات اللبنانية” هي من تقفل الطرق وتقيم الحواجز في ظاهرة تذكّر بالحرب، في حين أن محاولة التقسيم بين مسيحيّي الشمال والأطراف وجبل لبنان لم تعد مادة دسمة للإستهلاك، خصوصاً أن “القوات” بات لديها تمثيل نيابي في كل أقضية جبل لبنان من دون استثناء.
ويتوجّس “التيار” ممّا قد يأتي، علماً أن الدعاية البرتقاليّة تروّج أن مجموعات تتأثر بالمخابرات و”القوات” هي من تقفل الطرق في جبل لبنان الشمالي في إطار تصفية حسابات مع رئيس “التيار الوطني الحرّ” الوزير المستقيل جبران باسيل وفريق العهد.
وفي السياق، يبدو أن المشهد المسيحي قد يتغير، إذ إن الصراع لم يعد مقتصراً على “القوات” والكتائب والحلفاء من جهة و”التيار” وحلفائه من جهة أخرى، بل إن هناك قوة ثالثة دخلت على الخطّ، وهذه القوة هي شباب الثورة المستقلّون الذين لا توجد لهم قيادة موحّدة حتى وقتنا هذا.
ولطالما شكّلت المناطق المسيحيّة واحة لتشكيل الرأي العام، فكسروان التي أعطت العماد ميشال عون زعامة مطلقة العام 2005 وحصد أكثر من 70 في المئة من أصواتها كادت أن تسقطه في انتخابات 2009، كذلك فإن “التيار” بات يفتقد إلى تمثيل نيابي حقيقي في هذا القضاء بعد ثورة 17 تشرين، فتكتل “لبنان القوي” كان ممثلاً في الإنتخابات الأخيرة بثلاثة نواب هم نعمة افرام، شامل روكز وروجيه عازار، وبعد إعلان كل من روكز وافرام إنسحابهما من التكتل نتيجة ضغط الثورة، بات “التيار” ممثلاً بنائب واحد هو عازار وأصبح حجمه النيابي في عاصمة الموارنة يوازي حجم “القوات”.
ولا يستطيع أحد إنكار أن هناك رأياً عاماً في كسروان لا يزال يتأثّر بالكنيسة المارونيّة وبالمؤسسة العسكريّة منذ أيام “الشعبة الثانية”، والواضح والجليّ في الصورة أن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يقف إلى جانب الثورة الشعبية ويدعمها وإن كان يراعي موقع رئاسة الجمهوريّة، في حين أن جزءاً من الإكليروس الماروني الذي لم يناصر الثورة يقف على الحياد، ولذلك يبقى موقف الراعي هو الطاغي.
بين المتن وكسروان وجبيل، أي في جبل لبنان الشمالي، يُعاد رسم الخريطة السياسيّة للشارع المسيحي، ولا يستطيع أحد إنكار أن مناصري “القوات اللبنانية” شاركوا في التظاهرات، لكنهم لم يكونوا القوّة الوحيدة، إذ إن ما حصل كان وليدَ عوامل عدّة أبرزها الوضع الإقتصادي المتردّي وضرب كل القطاعات الإنتاجية في المنطقة الممتدة من الأشرفية وصولاً إلى البترون، وشعور جميع المواطنين أنّ البلد يسير بخطوات متقدّمة نحو الإنهيار، ما دفع جميع اللبنانيين إلى الإتجاه نحو الثورة، وبالتالي لم تكن ثورة منطقة أو طائفة واحدة بل كانت شاملة.
لا شكّ أن القوى الأساسيّة الموجودة في جبل لبنان الشمالي أي “القوات” و”التيار” و”الكتائب” وبعض المستقلّين إضافة إلى تأثير الكنيسة، لم تعد هي الوحيدة الممسكة بالشارع، بل إن شباب الثورة دخلوا على الخطّ ولم تعد ثنائية “القوات” وحلفائها و”التيار” وحلفائه هم الممسكون بالشارع، لكن ما ينقص شباب الثورة هو التنظيم، وبالتالي فإن اتجاه مأسسة الثورة في هذه المناطق يحتاج إلى مزيد من الوقت كي تتبلور الصورة في كل لبنان.