تقدّم الرئيس ميشال عون خطوة الى الامام بالموافقة على جلسة للبرلمان، ونصف خطوة بالموافقة على جلسة لمجلس الوزراء. اولى مع القوات اللبنانية على اقتراح استعادة الجنسية، وثانية مع حزب الله على ملف النفايات فحسب
باعلان تكتل التغيير والاصلاح استعداده المشاركة في جلستين لمجلسي النواب والوزراء، اثبت الرئيس ميشال عون مجدداً امتلاكه مفتاحي ابواب المؤسستين الدستوريتين. ناهيك بمفتاح ثالث لا يقل اهمية، هو مقاطعته جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، تجعله في الظاهر على الاقل مسؤولا اساسيا عن عرقلة انتخاب الرئيس.
لا توحي المرونة الطارئة التي ابداها عون، في الايام الاخيرة، باخراج مجلسي الوزراء والنواب من مأزق التعطيل نهائيا. بل يبدو جازما اكثر من ذي قبل بالاصرار على ربط احياء دوريهما والالئتام الدوري باستجابة شروطه، وتأكيد موقف سلكه منذ بدء شغور رئاسة الجمهورية: لا رابط بين الاستحقاق واجتماع مجلسي الوزراء والنواب. لكل من اقفال المؤسسات الدستورية الثلاث مفتاحه الخاص.
هكذا، حسابات الرئاسة لديه تختلف عن اقتناعه بـ»تشريع الضرورة» في البرلمان، كما عن تمسكه بآلية ممارسة مجلس الوزراء صلاحيات رئيس الجمهورية الى ان يُنتخب الرئيس، وتاليا اصراره على تعليق المادة 65 في الدستور المنظمة لاجتماعات مجلس الوزراء وطريقة اتخاذه القرارات ما دام الشغور مستمرا.
واذ تبدو الآمال المعلقة على التئام البرلمان اكثر تفاؤلا، ليس ثمة ما يشير الى تقدّم جدّي في مساعي استعادة حكومة الرئيس تمام سلام اجتماعاتها الدورية تقريبا. بدوره رئيسها لا يريد المجازفة بتوجيه دعوة الى جلسة في السرايا ما لم يكن متيقنا من انعقادها اولا. بل يتصرف تكتل التغيير والاصلاح حيال قبوله بحضور جلسة بت ملف النفايات حصرا ــــ اذا انعقدت ــــ على انه استثناء حتمي لاستيعاب تفاقم اخطار هذه المشكلة بيئيا وصحيا، بلا اي نوع من التداعيات السياسية تشبه الخلاف على التعيينات العسكرية والامنية.
بالتأكيد لم يهضم عون تماما الضربة المؤجعة التي وُجهت اليه حتى 15 تشرين الاول، برفض مجلس الوزراء اجراء تعيينات عسكرية وامنية لا تقتصر على قائد جديد للجيش، بل تشمل المجلس العسكري بمقاعده الشاغرة والمدير العام لقوى الامن الداخلي ومجلس قيادة قوى الامن الداخلي. نظر الى تعيين العميد شامل روكز على انه «الخيار الامثل» لقيادة الجيش وكان مرشحه، وهو ما أسرّ به اكثر من مرة في لقاءات خاصة، اذ اعتبر الرجل يحمل معه «خطة متكاملة لترشيق» الجيش وجبه تحدياته في المرحلة المقبلة. أُسقط بذهاب روكز الى التقاعد، فأضحت الحكومة برمتها هدفا تاليا له: لا جلسة بعد اليوم سوى بالعودة الى اصل المطلب، وهو التعيينات العسكرية والامنية، في اول جلسة لمجلس الوزراء.
ليس هو المطلب الوحيد لعون، اذ اقرنه بآخر ملازم له هو آلية عقد مجلس الوزراء جلساته واتخاذه القرارات، تبعا لما اتفق عليه في المرحلة الاولى من الشغور الرئاسي:
ــــ يسقط من جدول اعمال مجلس الوزراء، قبل انعقاد الجلسة، البند الذي يتحفظ عنه مكوّنان رئيسيان في الحكومة.
ــــ يسقط من قرارات مجلس الوزراء البند الذي يتحفظ عنه مكوّنان رئيسيان في الحكومة.
ــــ توقيع الوزراء الـ24 جميعا على المراسيم العادية التي لا تمر بمجلس الوزراء.
ــــ سريان الاتفاق الضمني على تعريف المكوّن الرئيسي، وهو الكتلة الوزارية الوازنة ذات التمثيلين النيابي والشعبي الوازنين. بذلك لا يُعدّ وزراء الرئيس ميشال سليمان مكوّنا رئيسيا لافتقارهم الى تمثيل نيابي وشعبي، ناهيك بأن استمرارهم في الحكومة لا يعدو تركة عهد انقضى يبرر استمرارهم العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية. سرعان ما اضحى «اللقاء التشاوري» مجتمعا مكوّنا رئيسيا بانضمام وزراء حزب الكتائب ووزيرين مسيحيين مستقلين الى وزراء سليمان.
لا رابط بين الاستحقاق واجتماع مجلسي الوزراء والنواب. لكل قفل مفتاحه الخاص
في الاجتماع الاخير، الثلثاء، استحوذت مناقشة تكتل التغيير والاصلاح مشاركته في جلسة محتملة لمجلس الوزراء لبت ملفات النفايات على معظم الوقت، وطال الاجتماع الى اكثر مما اعتاده. انتهى الى خلاصة انه لا يزال يؤيد خطة الوزير اكرم شهيب لمعالجة مشكلة النفايات، بيد ان هذه «ضُربت من بيت ابيها»، من عكار وتيار المستقبل سواء بتأييده تحرّك العكاريين او عجزه عن توفير الدعم المناسب للخطة لوضعها موضع التنفيذ. الامر نفسه النسبة الى فشل التفاهم على مطمر آخر في السلسلة الشرقية، في منطقة عُدت حقل عمليات عسكرية مع المقلب الآخر من سوريا. تاليا فإن وزيري التيار الوطني الحر جبران باسيل والياس بوصعب سيحضران جلسة مخصصة للنفايات يدعو اليها رئيس الحكومة، ولن يعارضا الخطة بغية تبديد ذريعة اتهام عون وتياره، ومن ثم تكتله وحليفه حزب الله، بتعطيل مجلس الوزراء لانعقاد هذه الجلسة. على انها ستكون جلسة يتيمة ما لم تصعد الى رأس جدول اعمال جلسة تالية التعيينات العسكرية والامنية.
الا ان المشاركة في جلسة النفايات تتوخى ايضا تأكيد:
ــــ ان الانهاك الذي يعاني منه سلام لا يسعه ان يعزوه الى عون وتكتله، بل الى حلفائه القريبين كتيار المستقبل. ما برّر ما نُقل عنه قوله، مرة تلو اخرى، ان حكومته هذه لا تشبهه ابدا، وقد تكون اسوأ حكومة شهدها لبنان منذ الاستقلال.
ــــ ان ثمة مانعاً واحداً يحول دون انهيار الحكومة واطاحتها، وتالياً احجام سلام عن الاستقالة، هو غطاؤها الاقليمي، وتحديدا من الرياض التي تتمسك باستمرارها وبوجود سلام بالذات على رأسها. وقد يكون الموقف الاخير للرئيس سعد الحريري من المملكة ما يعبّر عن جانب مهم من موقفها، في وقت لزم الحريري ــــ خلافا لما درج عليه ــــ الصمت على الهجوم المدوي للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله السبت على السعودية والعائلة المالكة بعبارات قاسية غير مسبوقة.