يا للرئاساتِ كمْ عزَّتْ مفاتنُها وكمْ كبارٍ على إِغرائِها صَغِروا
عمر أبو ريشة
هل يظل الكبار كباراً عندما ينساقون وراء الإغراءات والمفاتن الوهمية لهذه الجمهورية الشاحبة؟
ألا يرى هؤلاء الكبار أن كل يوم يمرّ على رئاسة الجمهورية شاغراً، يصبح معه الكبار صغاراً، وتصبح مهم صغيرةً دولة لبنان الكبير؟
وهل يظل الكبار كباراً والأقوياء أقوياء، إذا استمرت الرئاسة فريسة شاردة تتناتشها المخالب حتى ولو أصبحت كتلة من عظام؟
يقول المحامي الفرنسي الشهير لوستالو Laustalot إبّان الثورة الفرنسية: «لا يبدو لنا الكبار كباراً إلّا لأننا راكعون أمامهم على رُكَبِنا… فلننهض».
والكبار الذين يكبِّرون أنفسهم بتمثيلهم الشعبي، لا يستطيعون المراهنة على أن يظلوا كباراً بهذا التمثيل، لأن القواعد الشعبية والحزبية طالما تعرضتْ معهم لإرباك ذهني، في إنتفاضات متعاكسة ضد الغريب حيناً، وحيناً ضد القريب، وفي توجيهات سياسية متراقصة بين المدّ والجزر على غرار العقائد الكلّية والأنظمة الشمولية التي تجعل العقل الجماهيري آلة خاضعة للتعليب، تتلاعب بها الخيوط المعدنية التي تحركها أصابع الزعيم.
هذا الظرف التاريخي الخطير، حيث لا دولة ولا نظام ولا دستور، لا يحتاج الى مرشح أكثر تمثيلاً بل أكثر تعقُّلاً، وأيُّ مرشح رئاسي، حتى وإن كان عونه من الله، إن لم يكن الأكثر تمثيلاً لبنانياً لا مسيحياً، فقد ينقسم به لبنان نصفين متواجهين، فيصبح أقلَّ من نصف رئيس، وتصبح معه الجمهورية أكثر من جمهوريتين.
والزمن الذي كان معه سليمان فرنجية الجدّ، يفوز بصوت واحد رئيساً، لا ينطبق اليوم على سليمان فرنجية الحفيد، فإنْ هو نال أقلّ من نصفي لبنان، فقد يصبح معه لبنان أقل من نصفي جمهورية.
يؤسفنا، أن نرى الأنظار مشدودة الى رئاسة الجمهورية لا الى الجمهورية، مع أن الأنهار في جنّة قصر بعبدا لم يبق فيها إلَّا المياه الآسنة.
ويؤسفنا أن نرى من يكرّس نفسه حصراً رئيساً لهذه الجمهورية ويفرض حقه المقدس على عرشها، فيما الحقُّ المقدس، هو حق هذا الشعب الذي تجتاح أرضَهُ جحافلُ شعوب الأرض، فإذا هو النازح الوحيد عليها، والنازح الوحيد فيها، والنازح الوحيد منها.
أيها الناس.
كلُّكمْ يقول: إنَّ المفتاح الغامض لإطلاق هذه الجمهورية من القفص المسحور هو ملْءُ الشغور، وكلّكم لا يزال يرهن هذا المفتاح لصاحب جراب الكردي في إحدى قصص ألف ليلة وليلة… «هاتِ يا خادم الجراب لبيك يا صاحب الجراب…»
واللّهِ استحوا…